يمكن مقاربة الحراك الاحتجاجي على أساس أنه حلبة للصراع ضد خصم متواجد في الضفة الأخرى: ضفة مؤسساتية (الحكومة، السلطات العمومية، الشخصيات السياسية، منظمات المجتمع المدني ...) وضفة عفوية (كل من هو ضد الحراك أو عنده رأي مخالف). في هذا السياق يمكن الاستعانة بأسس نظرية الديمقراطية التصادمية (Démocratie agonistique) لشنطال موفChantal Mouffe في آخر كتاب لها Le paradoxe démocratique (2016)، الذي توضح فيه أن إخفاقات التجارب الديمقراطية مردها ترددات الديمقراطية الليبرالية، التي أسس لها جون راولز ويوركن هابرماس، والتي تحيل على التوافقات السياسية وتغفل التناقضات العميقة والمشلة (Contradictions paralysantes) . في المقابل تعتمد الكاتبة على بناء معقد للتعددية الصدامية (pluralisme agonistique) المستوحاة من كتابات فتكانشتاين وديريدا وكارل شميت لإعادة تثبيت النزاع والتصادم كمميزات حيوية ودائمة للديمقراطية الجذرية . (Démocratie radicale) من هذا المنظور يمكن اعتبار الحراك الاحتجاجي أداة وآلية جديدة ومتجددة للانتقال السياسي. فالشارع كمجال لليقينيات وفضاء للمظلومية ليس خاصا بحراك الحسيمة، بل يمكن توصيف أغلب الاحتجاجات التي خرجت في مدن أخرى من المملكة المغربية، وآخرها احتجاجات جرادة، على أساس أن قادتها يمثلون الخصائص نفسها، ويشتركون في خاصية "الحرمان النسبي"، التي تحيل على التمثلات الفردية للتفاوتات الاجتماعية وعدم الرضى عن الذات وفقدان الثقة في المجتمع، حسب Walker .1999 وهذا ما يمكن أن يستنتج من خطابات قادة الحراك، حيث اعتبر المحاور (السلطات الحكومية والمؤسساتية والمجموعات التي لها رأي مخالف) شخصا لا يمكن الوثوق به، بل يتوخى الحذر منه، وهو في مرتبة دونية ويستحق أن تلحق به جميع النعوت والأوصاف لأنه يشكل مصدر المآسي والمشاكل، بل يمكن أن يدخل في خانة دلالية من قبيل: "العصابة" و"العياشة" و"العبيد" و"الخونة"... وختاما يمكن اعتبار الحراك الاحتجاجي فضاء للمطالبة بالحقوق والجهر بمشاعر الحكرة والتهميش ومجالا لتقديم واقتراح الحلول، حيث ليست هناك مطالبة بتغيير النظام، بل فقط محاسبة المسؤولين المباشرين، جهويا أو وطنيا، بل إن المطالب تصب في تشجيع حضور قوي وإيجابي للدولة من خلال إنشاء الجامعات والمستشفيات والمصانع والبدائل التنموية. فالشارع هو كذلك ميدان للتعبير عن ذكاء المواطنين موجها إلى الدولة وممثليها وكزاوية للتضامن بين جميع الأطياف المجتمعية. فإذا كان الحراك الاحتجاجي يعري بعض الشخوصات السياسية، فالثقافة المضادة يمكن أن تعمد إلى الاستراتيجية نفسها. لهذا فالشارع كفضاء للاحتجاجات الاجتماعية لا يمكن فقط مقاربته من وجهة نظر أمنية صرفة، إذ يتوجب كذلك التعامل معه من زاوية سياسية لا ترتهن حصريا بالتدابير الأمنية. فالشارع كموقع ديمقراطي يظل فضاء للاحتجاج يمكنه احتضان جميع أنواع المحتجين في إطار المواطنة العادلة، التي تقوم على مبادئ احترام التنوع والتعددية ونبذ ثقافة الكراهية والعنف في أفق تعميق التماسك الاجتماعي وتثبيت العيش المشترك والكرامة الإنسانية وتنمية اقتصادية متكافئة لجميع الجهات في احترام تام للدستور والمؤسسات ليصبح معه الحراك الاحتجاجي والخروج إلى الشارع تعبيرا عن أسمى تمظهرات الوعي المجتمعي والمواطنة المغربية.