هيمن الخطاب المعارض للدولة والتحليل الحاد على مداخلات الندوة التي نظمتها جماعة العدل والإحسان، صباح اليوم بمقرها بمدينة سلا، في سياق تخليد الذكرى الخامسة لوفاة مرشدها، عبد السلام ياسين، تحت عنوان "التحول السياسي بين محاولات الإجهاض وفرص التجاوز". ففي حديث أشد راديكالية، قال عبد الله الحريف، نائب الكاتب الوطني لحزب النهج الديموقراطي، إن المملكة تعيش على وقع ما نعته "تغول الاستبداد"، موردا أن من بين آلياته "شرعنة قوانين رجعية ظالمة على رأسها الدستور، ومن ضمنها القانون الجنائي، وقانون مكافحة الإرهاب، وقانون الصحافة ومدونة الأسرة". الحريف أوضح أن "تشرذم القوى المناهضة للاستبداد" يبقى من أهم أسباب "تغول" هذا الأخير، معتبرا أن تلك القوى، بحسب تعبيره، "تتحمل المسؤولية مهما كانت مرجعياتها. فعوض أن تتقوى، نراها تسقط في فخ فرّق تسد التي يتقنها النظام"، على حد توصيفه الحاد. ووجه السياسي اليساري اتهامات بالجملة إلى الدولة وأحهزتها، بالقول إنها "تعتمد على إفساد النخب واستقطابها لإدماجها في نظامها الإداري والسياسي"، معتبرا أن الدولة ترى "أية معارضة حقيقية مثارا للفتنة"، وتعتمد إزاء ذلك ما قال إنها أساليب "القمع وتقسيم الأحزاب والهيئات المعارضة، مقابل خلق الأحزاب والهيئات الموالية ودفعها لتصدر المشهد السياسي". وحول تجربة الإسلاميين مع ما سمي "ثورات الربيع العربي"، طرح الصحافي المغربي علي أنوزلا تساؤلات حول "تعثر الربيع العربي واصطدامه بالدم في أكثر من بلد"، و"فشل التيارات الإسلامية في مصر وتونس ونجاحها في تركيا وماليزيا"، بجانب تساؤل همّ " وأْد الربيع العربي وهل جاء قبل أوانه أم هو تمهيد لمولود النسخة القادمة؟"، وفق تعبيره. وتحدث أنوزلا عن مرحلة "ما بعد الإسلاموية"، قياسا على "ما بعد العلمانية"، مشيرا في هذا الصدد إلى ضرورة "نضج الحركات الإسلامية عبر توجه تياراتها إلى خيار الجمع بين التدين والحقوق والحريات"، فيما دعا إلى ضرورة التخلص مما وصفه "الإسلام الحركي والعلمانية الاستئصالية لبلوغ مرحلة ما بعد الإسلاموية". أما أمان جرعود، أمينة القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان، فقالت إن هناك منطلقات من أجل ما وصفته "مداخل للتغيير الممكن"، أولها يبرز في كون "التغيير الحقيقي هو الذي تتعرض له البنى السياسية والمجتمعية؛ بحيث يعاد توزيع السلطة بما يخدم الأهداف"، موضحة أنه يتعلق بما قالت "الانتقال من وضع يحكمه منطق الاستبداد والتسلط إلى وضع تسود فيه قيم الديمقراطية". وترى القيادية في الجماعة "ضرورة استحضار أهمية العامل الدولي والدور الإقليمي في الحسم في ترجيح خيار من الاختيارات في الحسابات السياسية الوطنية"، مضيفة أن مداخل التغيير الممكنة تهم أساسا "المراهنة على النظام القائم لقيادة وتحقيق التغيير المنشود"، ثم "المراهنة على النخب السياسية والفاعلين المجتمعيين"، بجانب "تأسيس حلف يتكتل من أجل بلورة حل جماعي ينتصر للإرادة الشعبية ويبحث عن صيغ الحكم الرشيد"، وفق تعبيرها. الباحث التونسي أنور الجمعاوي تحدث في قضية "ثورات الربيع العربي، الوعد والإنجاز والمآلات"، واعتبر أن مرحلة "الربيع العربي" واجهتها "تحديات واضحة تساعدنا في تحديدها المآلات التي آل إليها الأمر، خاصة على المستوى السياسي والاقتصادي"، معتبرا أن ما بعد تلك المرحلة تميزت سياسيا بعودة الاحتجاجات ذات النزعة المطلبية "كالمطالبة بالعمل والعدالة والمزيد من الحريات". ورغم أن الجمعاوي رصد استمرار حالات من الانفلات الأمني في بلدان "الربيع العربي"، إلا أنه شدد، وهو يتحدث عن التجربة التونسية، على وجود "ثابت سياسي يتمثل في بلورة دساتير مدنية توافقية عربية جديدة"، ليؤكد أن "الثورات مكنت من إسقاط جدار الخوف وتقليص إرهاب الدولة البوليسية، فبات المواطن عنصرا مهما مؤثرا في سياسات صُناع القرار".