في زمن ينحسر فيه فعل القراءة ويقلّ فيه الاهتمام بالثقافة، مقابل الإقبال الواسع على الترفيه، خاصة مع انتشار وسائل التواصل الحديثة، برزت قنوات على موقع "يوتيوب"، وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، يهدف أصحابها، وأغلبهم من الشباب، إلى تحفيز مُتابعيهم على القراءة وعلى الاهتمام بالشأن الثقافي. من بين هؤلاء الشباب، الحاملين لهمِّ تحفيز رواد العالم الافتراضي على القراءة، زكرياء مبتسم. يكرّس هذا الشباب القاطن في مدينة سلا جزءا كبيرا من وقته للمساهمة في تعريف مُتابعيه في الشبكات الاجتماعية وقناته على "يوتيوب" ب"اليوتيوب الثقافي"، الذي لا يزال مجالا لم يكتشفْه كثير من المغاربة. يُسمّى النشطاء المروّجون لثقافة القراءة على موقع "يوتيوب"، مثل زكرياء مبتسم، ب"Les Booktubeurs"، وهم نشطاء شباب، شغوفون بالكتاب، ويقومون بمشاركة الكتب التي قرؤوها، أو الكتب الجديدة التي هم بصدد قراءتها، مع متابعيهم، ويقدمون اقتراحاتهم حول الأعمال التي ينصحون بقراءتها. هدفُ نشر ثقافة القراءة الذي وضعه زكرياء مبتسم نُصب عينيه يتجاوز الحدود الجغرافية للمغرب، ويمتدُّ إلى محيطه الإقليمي. ولتحقيق هذه الغاية، عمَد إلى البحث عن أفضل 15 قناة على موقع "يوتيوب" يتقاسم مع أصحابها المنتمين إلى مختلف بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا همَّ حثّ الناس على القراءة، ونشَر روابطها في صفحته على موقع "فيسبوك" التي اختار لها اسم "أصدقاء الكتُب" (BooksFriends). الحُلم الأكبر الذي يراود زكرياء، الذي بثّ أكثر من سبعين مقطع فيديو للتحفيز على القراءة في قناته على "يوتيوب"، هو "أن يُصبح لدينا محتوى عربي ثقافي متطور في الأعوام القادمة يرتقي بنا ويخلّف تأثيرا اجتماعيا مهما"، كما كتب في تدوينة على صفحته. فكرة الانخراط في تحفيز الناس على القراءة عن طريق التدوين بالفيديو "Vlogs"، تبلورت عند زكرياء مبتسم سنة 2015، عندما أنشأ نادٍ لقراءة ومناقشة الكتب اختار له اسم "أصدقاء الكتب"، وكان فضاء للنقاش حول "خير جليس في الأنام"، ولأنشطة مختلفة بمساعدة قراء آخرين من دول مشرقية، ثم تطورت الفكرة حتى أصبحت قناة في "يوتيوب" عام 2017. أما الدافع الأساس، فهو "الحاجة إلى مشاركة شغف القراءة مع الناس لأنني لا أجد مع من أتكلم عن الكتب، لهذا بدأتُ أطور مجتمعي الخاص في العالم الافتراضي"، يقول زكرياء لهسبريس، مبزرا أنّ غايته من العمل الذي يقوم به هو "تحفيز الشباب على القراءة وترشيحُ كتب مختلفة لمن يتابعني ويهتم بالمحتوى الذي أشاركه". وفيما تفيد أرقام دراسات رسمية بتدنّي نسبة المقروئية في المغرب بشكل لافت، يقول زكرياء، جوابا على سؤال حول حجم التفاعل مع المواضيع الثقافية التي يتطرق إليها، إنّ هناك "تفاعلا جيّدا، وخاصة من خارج المغرب"، مشيرا إلى أنّه يحرص على استخدام الدارجة المغربية في مخاطبته لمتابعيه. وللنهوض بفعل القراءة في المغرب، الذي لا يخصّص له المغاربة من وقتهم اليومي سوى دقيقتيْن، بحسب دراسة أنجزتها المندوبية السامية للتخطيط نُشرت نتائجها سنة 2014، يرى زكرياء مبتسم أنَّ ثمّة حاجة إلى نشر التوعية بالقراءة في صفوف المجتمع، وخاصة عبر وسائل الإعلام؛ وذلك بتخصيص القنوات العمومية مساحة زمنية يومية للقراءة، وكل ما له علاقة بالثقافة. السبيل الثاني للنهوض بفعل القراءة في المغرب، يُردف المتحدث، هو أن تُطوّر دُور النشر طُرق تواصلها مع القراء لكي تكسب قراء أوفياء، والحرص على ألا تظلَّ معارض الكتاب "مجرد سوق للتجارة، بل أن تكون حدثا ثقافيا حقيقيا".