النبات الطبي هو الذي يحتوى على مادة أو مواد طبية قادرة على علاج مرض معين، أو تُساهم في تقليل الإصابة به والتخفيف من أعراضه وآلامه؛ كما يُطلق على النبات المُحتوي على مواد أولية يتم استخدامها في تحضير المواد الطبية. أما النبات العطري الذي يحتوي بدوره على زيت عطري في جزء منه فهو يستعمل في تحضير العطور. وتتعدد المجالات التي تُستخدم فيها النباتات الطبية، وتشمل تحضير بعض الأدوية، وإنتاج الزيوت التي تدخل ضمن تركيبة بعض المستحضرات الطبية، بالإضافة إلى إنتاج الأغذية الخاصة بعلاج أمراض مُحدّدة. أما النباتات العطرية فيجري استخدامها في تحضير مستحضرات التجميل، وفي صناعة العطور، كما يتم استغلال ما يوجد في بعضها من سموم في تصنيع المبيدات الحشرية. واستنادا إلى معطيات للوكالة الوطنية للنباتات الطبية والنباتية، فالقطاع بالمغرب يحتل المرتبة الثانية بعد تركيا من حيث عدد النباتات الطبية والعطرية التي يزخر بها، والتي تصل في المجموع إلى حوالي 4000 فصيلة ونوع، ويوفر أزيد من 500 ألف يوم عمل سنويا. كما أن إنتاج المغرب من النباتات الطبية والعطرية يصل إلى حوالي 140 ألف طن سنويا، يُصدّر منها حوالي 40 ألف طن من الأعشاب، و5000 طن من الزيوت الأساسية المستخلصة منها. وتُعدّ المنطقة الجبلية لإقليم اشتوكة آيت باها واحدة من مناطق جهة سوس ماسة الغنيّة بأنواع كثيرة من النباتات الطبية والعطرية. وفي وقت تتعرض هذه النباتات لأنواع من الاجتثاث، عبر اقتلاعها من الجذر من طرف بعض الساكنة، ما يحدّ من تجدّد إنباتها، في غياب أدنى وعي بقيمتها، بالإضافة إلى الأضرار الكبيرة التي تُلحقها بها المواشي، لاسيما تلك الجحافل المملوكة للرحل العابرين لهذه المناطق، انخرطت الدولة بشراكة مع تنظيمات مهنية نشيطة في الميدان في التحسيس والتوعية بهدف الاستغلال المُعقلن لهذا الموروث النباتي. تعاونية "إجديكنتاركنين" بالجماعة الترابية تاركا نتوشكا، في الدائرة الجبلية لاشتوكة آيت باها، واحدة من التنظيمات المهنية التي حقّقت الريادة في مجال زرع وإنتاج مستخلصات الأعشاب الطبية والعطرية بجهة سوس ماسة، وعمدت إلى إحداث مستغلات زراعية خاصة بزرع عدة أنواع من هذه النباتات، وتتعهدها بالرعاية اللازمة إلى حين وصول مرحلة القطف، والتجفيف، وبعدها تحويلها إلى الوحدة الصناعية بمركز آيت باها، من أجل إتمام عمليات التقطير والاستخلاص ثم التركيب، فالتعليب والتصدير. محمد كوسعيد، عن تعاونية "أجديك نتاركانين"، أورد ضمن تصريح لهسبريس أن هذه التعاونية تأسست سنة 2005، غير أنها شرعت في ميدان الأعشاب الطبية والعطرية سنتين بعد التأسيس، بعد انضمامها إلى المجموعة ذات النفع الاقتصادي "تركانين" بأكادير، ما ساهم في تسهيل عملية تسويق منتوجاتها على الصعيد الوطني والدولي، والدفع إلى الأمام بالتنظيم نحو تطوير مجال عمله وترقيته، وكان من ثمراته نيل مجموعة من الشواهد التقديرية والمشاركة في معارض وطنية ودولية. وأوضح المتحدّث أن الأعشاب والنباتات التي تزخر بها جبال اشتوكة آيت باها لها خصوصيات معينة، "تجعلها تختلف عن النباتات نفسها بمناطق قريبة، كسيدي إفني على سبيل المثال"، وزاد: "اشتوكة تنفرد بجودة خاصة وعالية في هذه النباتات ومستخلصاتها، وهو ما شجّع على "غزو" الأسواق الوطنية والدولية في مختلف القارات التي تستقبل منتوجاتنا، ومنها آسيا وأوروبا وأمريكا ودول الخليج وإفريقيا مؤخرا". الزعتر، الزعيترة، الشيح، الخزامى، الأزير، اللويزة وغيرها، نباتات تساهم باشتوكة آيت باها في توفير العشرات من مناصب الشغل، مباشرة وأخرى غير مباشرة، حيث يُعدّ المجال مدرّا للدخل بالنسبة إلى النساء القرويات في أعالي الجبال، وذلك لاشتغالهن في تجميع المحاصيل من هذه النباتات وتجفيفها، قبل أن تجد طريقها إلى وحدات التقطير والاستخلاص بمدينة آيت باها؛ وهناك يُشرف إداريون وتقنيون متخصصون على باقي العمليات، التي تنتهي بإنتاج ذلك الكم الهائل من أنواع المستحضرات، في ظروف تستجيب لكل معايير السلامة الصحية والغذائية. ومن الرهانات التي تعمل تعاونية "أجديك نتاركانين" على ربحها التنسيق مع مختلف مصالح الدولة من أجل الحفاظ على هذا الرصيد الضخم من النباتات، لاسيما البرية منها، من الاستغلال العشوائي، والحدّ من الرعي الجائر الذي يأتي على الأخضر واليابس منها، في ظل تأثرها بالتقلبات المناخية، لاسيما توالي سنوات الجفاف؛ ولن يتحقّق ذلك إلا بتنزيل برامج توعوية وتحسيسية تستهدف الساكنة المحلية حول قيمتها الطبية والتجميلية والاقتصادية، في ظل التوجه العالمي الحديث إلى كل ما هو طبيعي، على حدّ تعبير كوسعيد. وختم محمد كوسعيد حديثه إلى هسبريس بالتأكيد على دور قطاع الأعشاب الطبية والعطرية في تحقيق التنمية المحلية؛ "لكن هذه الفسيفساء العشبية والعطرية التي حبا الله بها جبال اشتوكة آيت باها، والتي شكّلت موروثا ثقافيا محليا منذ القدم، حيث لازالت أساس الطب التقليدي بالمنطقة، بالإضافة إلى استخدامات أخرى متعدّدة، تواجه خطر التدهور بسبب السلوكات اللاعقلانية (الرعي الجائر، عشوائية الاستغلال…) في التعامل مع هذا التراث وهذه الثروة الحصرية والاستثنائية"، حسب تعبيره.