لا تزال مغارة فريواطو، بنواحي إقليمتازة، مُغلقةً أمام العموم منذ الرابع والعشرين من شهر أبريل 2016، دون أن تتم إعادة فتحها في وجه السياح ومحبي الاستغوار؛ وذلك بسبب نزاع حول الاستغلال وصل إلى ردهات المحاكم لم يحسم بعد. ومنذ أن لقيت أستاذة حتفها داخل هذه المغارة، التي تعتبر الأشهر على المستوى الوطني، لم تنجح مساعي عدة في إعادة فتحها بسبب تنازع حول حق الاستغلال بين الجماعة الترابية باب بويدير، التي توجد المغارة ضمن نفوذها، ومصالح المياه والغابات، وشخص كان يسيرها في السابق. وتتجاوز شهرة المغارة حدود الوطن، فقد كان أبرز الزائرين لها من الأجانب، وتتميز بفتحة كائنة أعلاها تسمح لأشعة الشمس بالدخول إلى جوفها الأول، إضافة إلى عمق يصل إلى أكثر من 365 مترا، كما تقع من القرب من المنتزه الوطني لتازكا الذي يضم الأيل وعددا من الطيور، إضافة إلى أشجار الأزر الأطلسي والبلوط الأخضر. إغلاق المغارة لا يروق التازيين أبداً ويجعل سؤالهم حول إعادة فتحها متجدداً لا يفتر، فكثيراً ما كانت تشكل، إلى جانب المنتزه الوطني تازكا، فسحة للإقليم الذي يراه سكانه مهمشاً ويعاني ركوداً، وكانت فريواطو محركاً للسياحة المحلية ولو نسبياً نظراً لغياب الترويج. الغوص في حيثيات الإغلاق يكشف أن وفاة الأستاذة داخل المغارة كان فقط القطرة التي أفاضت الكأس، فقد كان السبب الحقيقي وراء إغلاقها نزاع بين الجماعة الترابية باب بويدير وشخص كان يستغل المغارة لسنوات عن طريق السمسرة. نهاية سنة 2010، ارتأت الجماعة عدم تجديد الترخيص للمستغ، ولجأ مسؤولو الجماعة الترابية إلى رفع دعوى الإفراغ لدى المحكمة التي قضت بعدم الاختصاص، لينقل الملف بعد ذلك إلى المحكمة الإدارية التي لم تصدر بعد حكمها فيه. في آخر مرة استأجرت المغارة بمبلغ 17 مليون سنتيم سنوياً، وقد بدأ استغلالها بأشكال مختلفة في السابق عبر دفتر تحملات وطلب عروض وسمسرة منذ عام 1993، وحين وقع حادث الانهيار وخلف وفاة أستاذة داخل المغارة، عجل الأمر بصدور قرار للوكيل العام بالإغلاق المؤقت، لكن يبدو أن هذا الإغلاق مرتبط بتأجيلات المحكمة في الحسم في النزاع. وتستقبل المغارة المعروفة وطنياً وعالمياً أكثر من 20 ألف زائر سنوياً، بحسب إحصائيات حصلت عليها هسبريس من الجماعة القروية باب بودير، 25 في المائة منهم أجانب من مختلف الدول، ويكونون غالباً من الباحثين في ميدان الاستغوار، خصوصاً أن الإقليم يعج بمغارات عدة يصل مجموعها إلى حوالي 300، منها مغارة "الشعرة"، والمغارة "الحمراء" ومغارة "باب تازة". تمتاز المغارة بشكل يشبه البئر بفوهة مستديرة الشكل يفوق قطرها الأربعين متراً، تتسع جوانبها المكونة من حيطان صخرية ترهب الزائر في أول نظرة، على امتداد انحدار على طول 700 درج، ويعود اكتشافها لأول مرة إلى سنة 1934 من طرف من طرف الفرنسي نوبر كاستر. حول هذا الموضوع، يقول بشاري محمدين، نائب رئيس الجماعة الترابية باب بويدير، في تصريح لهسبريس، إن "إغلاق المغارة كان له أثر سلبي كبير على المنطقة والإقليم من الناحية السياحية"، وأوضح أن "الفنادق تأثرت، وحتى وسائل النقل التي كانت تقل الزوار والسياح إلى دوار شيكر حيث توجد المغارة تأثرت بشكل كبير". ويرى المسؤول الجماعي أن المغارة لا "تستوجب تأهيلاً وإصلاحاً كما يتم الترويج لذلك، لأنها مكان طبيعي، لا يمكن أن ندخل عليه تغييرات، وما يجب توفيره هو شروط السلامة والأمان والتأمين والملابس الضرورية لدخولها، خصوصاً أنه يصعب اكتشافها بشكل كامل بدون معدات"، مشيراً إلى أن الشخص الذي اكتريت له لم يؤدي ما في ذمته، وقررت الجماعة عدم التجديد له لكن استمر في الاستغلال ما جعل الجماعة تلجأ للقضاء، الذي حكم عليه بالإفراغ. وأشار محمدين إلى أن الجماعة الترابية باب بودير، التي يقطن بها حوالي 6000 نسمة، لا تملك موارد مالية كافية لإحداث مشاريع مساعدة للترويج للمنطقة، لكنها تبحث عن شراكات من أجل تأهيل المنطقة المحيطة بالمغارة والمناطق المجاورة لها في أفق إقلاع سياحي بفضل المؤهلات الطبيعية المحلية. الكل في تازة يستنكر استمرار إغلاق المغارة وعدم الاهتمام بالإقليم سياحياً لتحريك عجلة الاقتصاد، فالأهمية البالغة لفريواطو تستوجب عملاً متظافراً من قبل جميع الفاعلين، مسؤولين وباحثين ومجتمع مدني، خصوصاً أن المغارة هي الدافع ل80 في المائة من السياح للقدوم إلى تازة، بحسب الحسين المنصوري، رئيس الجمعية المغربية للاستغوار والسياحة الجبلية بتازة. وأورد المنصوري أن "العديد من الفئات بإقليمتازة تضررت من هذا الإغلاق، خصوصاً أنها من المغارات الوحيدة المهيأة والمفتوحة أمام العموم في المغرب"، وقال: "للأسف لايزال الإغلاق مستمراً ولا جديد عن فتح مرتقب، رغم أننا اقترحنا وضع تجربتنا في الاستغوار من أجل معالجة مشكل الصخور المهددة بالسقوط داخل المغارة". ويعود تأسيس الجمعية المغربية للاستغوار والسياحة الجبلية من طرف بعض أبناء المنطقة إلى سنة 2002، بهدف حماية واستكشاف المغارات، ويرى مسؤولو الجمعية أن "ما يميز مدينة تازة هو احتضانها لعدد كبير من المغارات والكهوف، فليس هناك مكان في العالم يُضاهيها في عدد تجاويفها ومغاراتها التي بلغت أكثر من 300 مغارة، لذا استحقت عن جدارة اسم عاصمة الكهوف". ويرى المنصوري، في تصريح لهسبريس، أن "الإقليم يتوفر على مؤهلات طبيعية هائلة للنهوض به سياحياً"، وأضاف: "في جميع اللقاءات مع السلطات المعنية، كنا دائماً ننادي بتأهيل المغارات المتواجدة في كل جماعة بإقليمتازة من أجل الاستفادة منها، ولو تم ذلك لما تضرر الإقليم من إغلاق مغارة فريواطو حالياً". أما محمد قاسيمي، رئيس جمعية فريواطو لتشجيع الإستغوار والسياحة الجبلية، الذي كان يستغل المغارة بصفته الشخصية وليس باسم الجمعية، فيرى في تصريح لهسبريس أن المغارة "لا يجب أن تُسير عن طريق السمسرة وكأنها سوق"، مشيراً إلى أن "هذا الموقع الطبيعي يتطلب توقيع شراكة بين الجماعة الترابية ومصالح المياه والغابات وجمعية متخصصة". واعتبر قاسمي أن الإغلاق ليس في صالح الإقليم والمغرب، وقال إن "نسبة من السياح يأتون إلى تازة خصيصاً لهذا النوع من المغارات المنتشرة في الإقليم"، مشيراً إلى أن المغارة لم يتم إصلاحها كما تم الإعلان عنه حين جاء قرار إغلاقها من قبل السلطات الإقليمية". وفي الوقت الذي تتحدث فيه الجماعة الترابية باب بويدير عن استقبال المغارة حوالي 20 ألف زائر سنوياً، قال قاسمي، وهو أحد محبي الاستغوار واكتشاف المغارات، إن عدد السياح في السنوات الأخيرة لم يتجاوز 12 ألفا، مرجعاً السبب في ذلك إلى غياب مراكز الاستقبال في المنطقة. هي معلمة طبيعية ينفرد بها المغرب ويعتبرها أبناء المنطقة المهتمون بالاستغوار أرشيفاً للتكوينات الجيولوجية الباطنية للأرض، إلى جانب تواجدها بالقرب من المنتزه الوطني لتازكا، الذي يعتبر من بين أحسن المنتزهات الطبيعية على الصعيد الإفريقي، لكن كُتب عليها الإغلاق إلى أجل مسمى، لتتضرر السياحة أكثر من ذي قبل.