مناقشة اقتراح تعديل المادة 16 من القانون الأساسي لحزب العدالة والتنمية سأتناوله من زاوية أخرى غير التي خاض فيها غيري من أعضاء الحزب، وغيرهم من الصحفيين والمتتبعين. إن المقاربة التي سأعتمدها في التعديل المقترح سأطبقها بالمنطق ذاته على الدستور المغربي أو قريب منه، ذلك أنه المنطلق الذي اقترح تعديل المادة 16 مرده هو إعفاء ملك البلاد للأستاذ عبد الإله ابن كيران من رئاسة الحكومة، لأنه أصبح غير مرغوب فيه من طرف القصر، كما يروج البعض.. فلنفترض جدلا أن هذا المقترح اعتمده المؤتمر الوطني، وصوت المؤتمرون بالأغلبية عليه، ومنحت لعبد الإله ابن كيران ولاية ثالثة، كرد سياسي على الإعفاء القصري التي تعرض له رئيس الحكومة. فما الذي يمنع الجالس على العرش أو أحد مستشاريه أو مجموعة من الأحزاب السياسية أن تتقدم باقتراح قصد إجراء تعديل دستوري على الفصل 47 من الدستور التي تقول "يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر انتخابات مجلس النواب على أساس نتائجها " إن الذريعة المثلى التي سيتذرع بها أصحاب التعديل أن النتائج التي خرجت بها انتخابات مجلس النواب لم ولا تعطي شخصية مقبولة أو جديرة أو مؤهلة لتبوء مقعد رئيس الحكومة، وبالتالي وحفاظا على المصلحة العامة والعليا .. يجب إعفاء الملك من التقيد بهذه الفصل، وترك الحرية له لاختيار من يصلح لهذه المهمة، فملك البلاد حسب الفصل 42 هو رئيس الدولة وممثلها الأسمى ورمز وحدة الأمة .. لذلك فهو الأدرى والأجدر والأولى بالحرص على مصلحة البلاد وفق منظوره ورؤيته السياسية والتدبيرية الخاصة.. إن للملك اعتباراته الخاصة، وأسبابه المعقولة، وتبريراته المنطقية التي تنسجم مع منطقه لإدارة البلاد، فالأحزاب السياسية عامة وحزب العدالة والتنمية على وجه الخصوص إحدى مكونات المشهد السياسي ومؤسسات البلاد، ولا يمكن اختزال مصير البلاد في حزب أو رئيسه، وإذا لم تعجبه نتائج الانتخابات فليس من المعقول أن تغل يده والتقيد بالفصل 47 من الدستور (حسب المبررات التي أفترضها من أجل المقارنة والمقاربة). وفعلا إذا قرر الملك اقتراح التعديل عن طريق الاستفتاء، وبالقطع والمطلق سيصوت المغاربة وأغلب الأحزاب السياسية لفائدة التعديل، فهل سيحق لأصحاب تعديل المادة 16 من القانون الأساسي لحزب العدالة والتنمية أن يصوتوا ب"لا" على التعديل الذي يقترحه ملك البلاد، هل يستطيعون الاعتراض عليه صراحة وبالوضح اللازم في حال ما تقدم به أمام الشعب المغربي؟ ليس لكم حينئذ إلا التوجه إلى صناديق الاقتراع مطأطئي الرأس استجابة للنداء الوطني والتصويت بنعم لفائدة إلغاء الفصل 47 من الدستور انسجاما مع المنطق والمنهج ذاته الذي تخوضون به معركة تعديل المادة 16. فأصحاب مقترح تعديل المادة 16 لهم أسباب سياسية منطقية كرد سياسي على الإعفاء القصري وغير المبرر للسيد ابن كيران، وتعديل الفصل 47 من الدستور ( إذا ما اقترح لا قدر الله ) له أسباب سياسية منطقية مؤداها تحرير الملك من التقيد بالفصل المذكور وذلك لمصلحة البلاد في حالة عدم رضاه عن بعض أعضاء الحزب المتصدر للانتخابات (لكل منطقه الخاص الذي يؤمن به ويدافع عنه). يا أصحاب مقترح تعديل المادة 16 من القانون الأساسي لحزب العدالة والتنمية، اعلموا حفظكم الله أنكم تؤسسون لبدعة سيئة مفادها إذا لم تعجبني نتائج تدافع سياسي معين، أو نتائج انتخابات معينة، وأن المدخل لفرض إرادتي ... هو اقتراح تعديل قانوني أو دستوري أو...، اعلموا أنكم سترفعون الحرج عن ملك البلاد للتراجع عن العديد من المكتسبات الدستورية التي جاءت عقب الحراك المغربي وحركة 20 فبراير، أي ستتسببون في خسارة العديد من المكتسبات السياسية والدستورية، تعديل منهجي في قانون أساسي قد يفتح الشهية لتعديل دستوري خطير من منطلق الدوافع ذاتها وبالمنطق والأسلوب ذاته، المؤتمر أعلى هيئة تقريرية، والشعب أعلى هيئة تقريرية، وكل هذا لأن الملك أعفى السيد عبد الإله ابن كيران من رئاسة الحكومة بعد رفضه إدخال حزب الاتحاد الاشتراكي ضمن التشكيلة الحكومية، ولهذا الموضوع عودة قريبة إن شاء الله. *محام بهيئة الرباط