توجد وسط المدينة القديمة للعاصمة المغربية الرباط دور تقليدية عديدة لا يظهر جمالها من الخارج، لكن داخلها يخفي أناقة قل نظيرها في المساكن الجديدة التي تقطنها غالبية المغاربة. من أبر هذه الدور نجد "دار المريني"، التي يعود تاريخ بنائها إلى 1916، والتي تطلب تشييدها أربع سنوات. تعود ملكية هذه الدار، الواقعة في قلب المدينة القديمة، إلى الأمين محمد بن عبد الرحمن المريني، جد عبد الحق المريني، مؤرخ المملكة الحالي الناطق الرسمي باسم القصر الملكي. واعتُبرت في مطلع القرن العشرين طفرة في ميدان المعمار، بعدما سهر على تشييدها عبد الكريم المغراوي، أشهر المعماريين المغاربة في ذلك العصر. تتكون هذه الدار من فسحة بدون نافورة، ولا تتوفر على أعمدة، وتضم أربع غرف سفلية، وقاعات كبيرة شاسعة، وغرفتين في الطابق الأول، وتصل مساحتها إلى 544 مترا مربعا، وعلوها يصل إلى 15 متراً، وتضم مرفقا فوق سطحها يطل على أحياء المدينة العتيقة والحديثة ومعظم معالم المدينة كصومعة حسان، وجامع السنة، وشاطئ المحيط الأطلسي، ومجرى نهر أبي رقراق. كانت دار المريني قبل سنوات خلت تحتضن بعض فقرات مهرجان موازين في بداياته الأولى، كما كانت تُنظم بها حفلات غنائية للموسيقى الأندلسية، إضافة إلى الاجتماعات الرسمية واستقبال الوفود الأجانب من حين إلى آخر، لكن نادراً ما يزورها اليوم زائر. ورثها أحفاد الأمين محمد المريني سنة 1997، وبإيعاز من الورثة اقتناها المجلس البلدي لحسان ليجعل منها بعد صيانتها فضاء تاريخياً وثقافيا وفنياً لفائدة المدينة؛ إذ تم ترميم هذه المعلمة المعمارية لسنوات للحافظ عليها كتراث حضاري لعاصمة المغرب. بناء هذه الدار استمر أربع سنوات من قبل العديد من العمال والحرفيين، منهم من قدموا من فاس خصيصاً، وتم استعمال الحديد الصلب في الأسقف وخشب العرعار، فيما بُنيت الجدران بالحجر والجير، وزُينت بالزليج البلدي والجبس المنقوش بطابع أندلسي، إضافة إلى الزجاج العراقي، وفق إفادات عبد الله أشيبان، محافظ الدار. الحديث عن دار المريني وعدم إيلائها الاهتمام الواجب يحيلنا إلى الحديث عن غياب سياسة ناجحة للحفاظ على التراث المعماري في المملكة؛ الأمر الذي يربطه محمد السمار، مؤرخ عالم آثار متخصص في مدينة الرباط، بتهميش الجانب الثقافي والتاريخي من طرف الدولة والأحزاب معاً. ويرى السمار، محافظ سابق لدار المريني 2001-2006، في حديث لهسبريس، أن الاهتمام بالتراث المعماري لا يحضر كما يجب في المغرب، ويعتبر أن هذا المجال يحتاج إلى إحداث وزارة أو كتابة دولة ضمن الحكومة. وأشار الباحث في التراث المعماري التاريخي، في التصريح ذاته، إلى أن المغرب يعتبر من الدول الغنية ذات الرصيد المهم في مجال التراث المعماري التاريخي، لكن "هذا الكم الهائل من المآثر يتلاشى يوماً بعد يوم"، بتتعبيره. وباعتباره أول محافظ لدار المريني، يتذكر السمار اقتناء الدار في عهد الراحل عبد الفتاح سباطة، المنتمي آنذاك لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي ترأس المجلس البلدي لحسان. وقال: "كان الراحل سباطة يرغب في جعل هذه لدار فضاءً ثقافياً يحتضن جميع الأنشطة الثقافية للمجلس والرباط بصفة عامة، وحرص على أن ترمم بشكل جيد، لكن في السنين الأخيرة طالها التهميش". وتعتبر هذه الدار، بحسب السمار، ذات قيمة تاريخية عالية جداً؛ فهي "تُمثل مرحلة جد مهمة في التاريخ العمراني للمدينة العتيقة بالرباط، لأنها بُنيت في العقد الأول من الحماية ما بين 1916 و1920". وأوضح السمار أن هذه المرحلة كانت من أهم المراحل التاريخية في دور السكن في المدينة العتيقة، لأنها تميزت بإقحام طُرق ووسائل جديدة في المدينة، منها إدخال الماء الشروب والكهرباء إلى البيوت، واستعمال مواد بناء جديدة على رأسها الأعمدة الفولاذية التي تتيح عرضاً أكبر للسقوف عكس ما كان في السابق. وقد ساهم هذا التحول، وفق الباحث في علم الآثار، في ظهور مدرسة جديدة في بناء دور السكن عنوانها الأبرز هو المزج بين العصري والتقليدي دون التأثير سلبياً على الشكل العام؛ وهو ما تمثله دار المريني بشكل جلي. لكن السمار يؤكد على ضرورة إيلاء الاهتمام أكثر بهذه الدار؛ وذلك بتأهيلها بشكل جيد من ذوي الاختصاص في المآثر التاريخية وترميمها لكي تكون داراً تاريخية وثقافية في المستوى المطلوب. في إحدى غرف الطابق السفلي، حيث كان الأمين محمد المريني يقضي جل أوقاته، عُلقت صورتان، الأولى يظهر فيها الحاج محمد بن محمد المريني، عميد الأسرة المرينية، الذي وافته المنية في 15 يوليوز 1997، والأخرى يظهر فيها الجد الأمين محمد بن عبد الرحمن، وبجانبه حفيده عبد الحق المريني. وقد كانت عائلة الأمين محمد المريني من العائلات الرباطية الغنية، فقد كان ربها أمين مال تجار المدينة القديمة للرباط، وكانت الدار في تلك الفترة تساوي قيمة كبيرة وتطلب بناؤها موارد مالية مهمة. حين اقتناها المجلس البلدي لحسان سنة 1997 بحوالي 4 ملايين درهم، عمل على إصلاحها بحوالي 8 ملايين درهم، عبر ترميمها وفق المعايير المطلوبة في صيانة المآثر، حيث تم الحفاظ على زخارفها ورونقها، لكن إشعاعها اليوم كأجمل وأعرق البيوت المغربية التقليدية في العاصمة لا يزال ضعيفاً، ولا يتم استثمارها كما يجب.