تأكيدا للعناية الموصولة التي ما فتئ أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس يوليها للعاصمة الروحية للمملكة ولأماكن العبادة بها شكلت سنة 2014 محطة جد هامة في تكريس هذا الاهتمام الملكي من خلال ترميم وتجديد ورد الاعتبار لدور العبادة والأضرحة والمساجد وبعض المآثر التاريخية والحضارية التي تزخر بها هذه الحاضرة. وتميزت هذه السنة على وجه الخصوص بإنهاء عمليات ترميم وتجديد ضريح المولى إدريس الأزهر باني مدينة فاس الذي يختزل قيما كبيرة في تاريخ المغرب والذي يعد أحد أبرز المعالم الدينية بمدينة فاس وأكثرها شعبية وجذبا للسياح المغاربة والاجانب إلى جانب رد الاعتبار وترميم العديد من المآثر التاريخية والحضارية وغيرها من الفضاءات التي تختزل بين ثناياها جزئيات وتفاصيل تاريخ المغرب وحضارته العريقة. وتطلبت عملية ترميم ضريح المولى إدريس الأزهر الذي قام أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس بزيارته خلال شهر نونبر الماضي غلافا ماليا إجماليا بلغ 5ر52 مليون درهم وتم تنفيذها بناء على التعليمات السامية لأمير المؤمنين لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية سنة 2009 بإعداد دراسة تقنية تهم الترميم الكامل للضريح والمرافق التابعة له . وهمت أشغال ترميم هذا الصرح الديني الأشهر بالمدينة العتيقة لفاس التي انطلقت في سنة 2011 صيانة مجموعة من البنايات التاريخية التي تمتد على مساحة مغطاة تقدر ب 2548 متر مربع وشملت تقوية وإعادة تشكيل القبة الرئيسية والصحن وقاعة الصلاة والصومعة وسكن الإمام بالإضافة إلى (مسجد المقلقة)، وهو فضاء للصلاة يتسع ل 240 مصليا ويشتمل على قاعات للوضوء ودار القيطون، الإقامة السابقة للمولى إدريس. ومكنت هذه الأشغال التي أنجزت في ظرف 36 شهرا من تدعيم الأساسات وإصلاح الشقوق وتقوية الأسطح والأسقف والقباب مع إعادة أشغال الصباغة والطلاء وصيانة شبكات المياه والكهرباء والتطهير السائل فضلا عن ترميم مجموع العناصر الخشبية والمكونات الزخرفية بكيفية مطابقة للأصل (الزليج والرخام والقرمود والزخارف المصنوعة من الجبص والحديد والبرونز). واستهدف مشروع ترميم وتجديد وإعادة تأهيل ضريح المولى إدريس الأزهر ذي الحمولة الرمزية الكبيرة بالنسبة لمدينة فاس وللمملكة المغربية ككل والذي أشرفت عليه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية صيانة الذاكرة الجماعية والحفاظ على رموز الهوية المغربية. وتطلبت أشغال ترميم هذا الصرح الديني تدخلا من نوع خاص بالنظر للحالة التي كان يوجد عليها الضريح حيث كانت بعض بناياته مهددة بالانهيار وفي حالة تدهور متقدمة مثل "البرشلات والحائط الفاصل بين الضريح وقيسارية الكفاح وجامع المقلقة" وغيرها مما فرض على المشرفين على هذه العملية القيام بتدخلات تمت على مراحل وهمت مرافق كانت آيلة للسقوط وفي حالة جد متدهورة تطلبت تدخلا عاجلا وشملت بالخصوص الزخرفات من زليج وجبص والتي كانت في وضعية متلاشية ليتم ترميمها بطابع تقليدي أصيل حافظ على رونق المعلمة واحترم أصل المكان وروحانيته . ويحتضن هذا الضريح الذي يقع في قلب المدينة العتيقة بفاس قبر المولى إدريس الأزهر مؤسس المدينة ويعتبر إلى جانب جامع القرويين من أهم المعالم في المدينة ومن أشهر المآثر في المغرب وأكثرها شعبية. وعرفت هذه المعلمة الدينية التي يعود تشييدها إلى حقبة بداية تأسيس مدينة فاس على مر السنين العديد من التوسيعات والتعديلات المعمارية إبان حكم المرينيين والوطاسيين والسعديين وفي عهد السلاطين العلويين وخاصة منهم جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني . وموازاة مع ترميم ضريح المولى إدريس الأزهر عرفت مدينة فاس خلال هذه السنة اهتماما خاصا بعمليات ترميم ورد الاعتبار للمآثر التاريخية التي تزخر بها العاصمة العلمية والروحية للمملكة والتي كانت ولا تزال فضاءات تعكس عراقة وتنوع وغنى الحضارة المغربية. ومن ضمن المواقع التاريخية التي تخضع لعمليات ترميم واسعة من اجل تأهيلها ورد الاعتبار لها برج سيدي بونافع الذي تم تشييده من طرف السلطان أحمد المنصور السعدي سنة 990 هجرية الموافق ل 1550 ميلادية والذي جاء بناؤه من أجل تعزيز القدرات الدفاعية لمدينة فاس وحمايتها من الأخطار الخارجية التي كانت تتهددها آنذاك. ويشكل مشروع ترميم ورد الاعتبار لبرج سيدي بونافع الذي قام صاحب الجلالة الملك محمد السادس بزيارة لورشه خلال شهر نونبر الماضي جزءا من برنامج ترميم وإعادة تأهيل المآثر التاريخية للمدينة العتيقة بفاس الذي رصد له غلاف مالي إجمالي يقدر ب 5ر285 مليون درهم ويهم ترميم 27 من المآثر التاريخية بما في ذلك المدارس العتيقة والأبراج و"الفنادق" التاريخية والمدابغ والأسوار والجسور. ويوجد في طور الإنجاز حاليا 14 مشروعا من بين 27 المبرمجة برسم البرنامج الممتد على أربع سنوات (2013- 2016) ومن بينها مشروع ترميم برج سيدي بونافع الذي خصص له غلاف مالي يقدر ب 2 ر 10 مليون درهم والذي سيتم تحويله عند انتهاء أشغال ترميمه إلى متحف. وستساهم مختلف التدخلات المدرجة في إطار هذا البرنامج في تعزيز المدارات السياحية على مستوى المدينة العتيقة لفاس والارتقاء بجمالية المشهد الحضري والتنمية السوسيو- اقتصادية لهذه المدينة العريقة مع الحفاظ على تراثها المادي الذي يعكس عظمة التاريخ المعماري ومهارة الصانع التقليدي المغربي. ومن شأن عمليات الترميم ورد الاعتبار للمآثر التاريخية بمدينة فاس أن تعطي زخما معماريا وثقافيا كبيرين لهذه المدينة المصنفة منذ سنة 1981 من طرف منظمة اليونسكو ضمن التراث العالمي الإنساني والرفع من مستوى جاذبيتها السياحية خاصة وأن المقاربات المعتمدة في مجال ترميم هذه المعالم لا تقتصر فقط على ترميم الجدران رغم أهميتها الانشائية بل تتعدها إلى كونها عملية مندمجة تروم إدماج هذه المعالم في محيطها الاقتصادي والاجتماعي.