رغم أنني لا أحب استعمال هذا المصطلح (مفترق الطرق) للمرات الكثيرة الذي استعمل خلالها حتى أصبح مبتذلا خاصة في توصيف المسار العالم للتجربة التاريخية للبلد. ففي كل مرة استعمل فيها هذا المصطلح واعتقدنا فعلا أن ما بعد حدث استعماله لن يكون كما قبل، استيقظنا في اليوم الموالي على واقع أنه لم يكن مفترق طريق ولا هم "يفرحون". في الواقع إننا نسير منذ مدة غير يسيرة في طريق مستقيم نحو الهاوية، إلا إذا قررنا أن نقوم بوقفة تاريخية مع الذات وننجز نقدا فكريا عميقا لواقعنا المأزوم. أستعمله هذه المرة لأنني أعتقد أن أسباب نزوله تبدو معقولة. فمنذ انتهاء ما سمي إعلاميا بالبلوكاج الحكومي، بإعفاء السيد عبد الإله بنكيران من رئاسة الحكومة، وحزب العدالة والتنمية يعيش على إيقاع أزمة داخلية، لا أعتقد أنه عاش مثيلا لها من قبل، اللهم إذا استثنينا مرحلة الربيع المغربي وبدرجة أقل. يمكن إيجاز هذه الأزمة في شخص السيد عبد الإله بنكيران نفسه، الذي تفرق حوله الإخوان إلى رافض لرجوعه إلى الأمانة العامة ومتشبث بعودته. وفي هذا الإطار قدم كل فريق دفوعاته لتبرير موقفه، وهي معروفة للعموم والمتابعين ولا داعي لإعادة ذكرها. لا يهمني في هذا النقاش ما هي طروحات هذا الفريق أو ذلك ولن أنتصر لهذا الفريق ضد الآخر، ففي الأخير تبقى السياسة فنا للممكن والاختلاف فيها يرجع إلى تباين في تقديرات الأطراف المشاركة في النقاش، ما يهمني أكثر مخرجات هذا النقاش. ما يبرر انشغالي بهذه المسألة، أن حزب العدالة والتنمية هو أكبر الأحزاب الوطنية، وهو المعول عليه أساسا في الدفع بعجلة الإصلاح والديمقراطية، بسبب عدم وجود بديل مقنع ووازن على الأقل في الأفق المنظور. فلا إصلاح دون وجود أحزاب قوية في المشهد الحزبي الوطني. الإخوة في العدالة والتنمية يجب أن يطرحوا سؤالا الجدوى من بقاء السيد عبد الإله بنكيران أو رحيلة. بمعنى آخر ما هي القيمة المضافة التي سيعطيها بقاء الرجل أو رحيله؟ ليس من المعيب أن يكون السياسي براغماتيا ويطرح سؤال الربح والخسارة، لكن بالضرورة يجب أو يكون وطنيا. على الإخوة في العدالة والتنمية أن يستحضروا مصلحة الوطن في هذا النقاش الداخلي. السيد عبد الإله بنكيران لا يتزعم حزبا سياسيا حصرا بل يتزعم تجربة سياسية مغربية كانت من المفروض أن تكون جوابا للربيع العربي عامة والمغربي منه على وجه الخصوص، وفي إطار أطروحة سياسية واضحة تقول بتغليب منطق التدرج في الإصلاح بدل مغامرات الاصطدام، تحت شعار "الإصلاح في ظل الاستقرار". وهي أطروحة سياسية دافع عنها السيد بنكيران باستماتة محارب قديم. فإذا رأى السيد عبد الإله بنكيران والحزب من ورائه أن عودته ضرورية، فيعني ذلك تغليب منطق التصادم على منطق التدرج، ولا يخفى على أحد ضريبة هذا الخيار على تطور الأحداث في السنوات القادمة. البلوكاج السياسي كان نتيجة رفع بعض الأطراف المشاركة في الحكومة مسنودة بطيف واسع من الفعاليات السياسية والاقتصادية والمدنية الوازنة داخل البلد الفيتو لعودة بنكيران لرئاسة الحكومة، دون أن تراجع هذه الأطراف نفسها منطق المرحلة، لأن الفيتو رفع على أسلوب السيد بنكيران وليس على حزب العدالة والتنمية الذي لا يزال على رأس الحكومة وبالتالي التجربة السياسية الحالية. لست ضد هذا التوجه فإذا كان هذا الفريق داخل العدالة والتنمية يرى أن هذه الأطروحة قد استنفذت شرطها التاريخي، فمن المفروض على السيد بنكيران وعلى من يشاركه الرؤية، أن يبلوروا أطروحة أو أطروحات جديدة تكون موضوع تعاقد جديد بينه وبين أبناء الحزب والمتعاطفين معه من عموم المواطنين. الشيء الذي لم نلمسه لحد الساعة في النقاش الداخلي لحزب العدالة والتنمية.