في قرى ومداشر إحدى عشرة جماعة ترابية بالدائرة الجبلية لإقليم اشتوكة آيت باها، يكاد القاسم المشترك بين أهاليها ينحصر في كونهم يجتمعون في خندق البحث عن الماء، ومواجهة شح السماء، الذي امتزج بقساوة الطبيعة، فلم تعد تقنيات تخزين وحفظ مياه الأمطار، "المطفيات" أساسا، تؤتي أكلها لتوفير هذه المادة الحيوية، إلا بالاستعانة بمياه مدفوعة الثمن، عبر صهاريج متنقلة، تضمن أياما معدودات من الشرب وإرواء المواشي. يسود في المناطق ذات التضاريس الجبلية بإقليم اشتوكة آيت باها نظام فريد لتخزين المياه، توارثه السكان عن أجدادهم، يتعلّق الأمر ب"المطفية"، التي تعتمد على تجميع مياه الأمطار في صهاريج مغمورة في الأرض، وجدرانها مبنية بالأحجار المثبتة بخليط من التراب أو الإسمنت، حيث لا يكاد يخلو بيت من واحدة، على الأقل، من هذه "المطفيات"، فضلا عن واحدة مشتركة بين كل سكان الدوار، يلجأ إليها من نفدت المياه من منزله. ونظرا للأهمية المحورية التي تحظى بها "المطفيات" في حياة المجتمعات القروية بالمناطق الجبلية لاشتوكة آيت باها، التي ابتكرت هذه التقنيات بغرض تجميع المياه في أوقات وفرتها، واستغلالها في أوقات الندرة، فإنه رغم استفادة بعض المناطق من شبكة الماء الشروب، ظل هذا الموروث الهيدرولوجي من أهم المرافق الأساسية بمحيط البيوت، التي لا يكتمل بناؤها دون هذه المنشآت. كما تُعتبر أحد أعمدة الثقافة المائية لدى الأهالي، التي تساهم في تحقيق الأمن المائي لهؤلاء. جلب الماء في عدد من المناطق الجبلية لاشتوكة آيت باها لا يزال يعتمد على الطرق التقليدية. فبالإضافة إلى "المطفيات"، يضطر الأهالي إلى الاستعانة بالدواب في رحلات يومية للتغلب على نقص مياه الشروب، التي يتم التزود بها من بعض المنابع المائية، التي تمتاز بها مناطق دون أخرى. وأمام توالي مشكل الماء، استفادت جماعات من مشاريع للدولة تهم الربط بالماء، فكانت الجماعات القريبة من أهم مصدر للمياه السطحية، سدّ "أهل سوس"، أكثر حظوة، عبر ربط فردي أو إحداث سقايات وسط الدواوير، لكن الأزمة تتعاظم وتيرتها بالجماعات النائية. ندرة المياه أرخت بظلالها على الواقع المعيشي للسكان، اجتماعيا واقتصاديا، الأمر الذي دفع كثيرا منهم إلى مغادرة بلداتهم صوب المدن المغربية وهوامشها، خاصة أن النشاط الرئيسي لهؤلاء في بواديهم، والذي تفرضه الطبيعة التضاريسية والمناخية، هو تربية الماشية، وزراعة بورية محدودة تُمارس بالمدرجات "إِغْرْمان"، غير أن المستقرين بهذه المناطق، ورغم تلك الظروف الصعبة، لديهم قناعات بأن تلك الأرض جزء منهم، وأن استمرارهم فيها هو استمرار للحياة في موطن الأجداد، وأن العيش لا يستقيم دون استنشاق هوائها يوميا. الجماعة الترابية هِلالة واحدة من المناطق التي توصف بالجماعة المنكوبة مائيا، بالنظر إلى واقع أزمة الماء منذ سنوات، واستمرار الاعتماد على كل الطرق البدائية، ومعاناة السكان مع بُعد المسافات عن المنابع وصعوبة الوصول إليها، مما استدعى تدخل الدولة، بشراكة مع البنك الإسلامي للتنمية، بالإضافة إلى شركاء آخرين، من أجل الربط انطلاقا من سد "أهل سوس"، فضلا عن إحداث ثقوب استكشافية، من أجل تغطية دواوير الجماعة بهذه المادة الحيوية، لكن البطء يُلازم وتيرة إنجاز كل هذه المشاريع المهمة. أحمد أوسياد، رئيس الجماعة الترابية لهلالة، قال، في تصريح لهسبريس، إن كل المناطق الجبلية تُعاني المشكل ذاته، قبل أن يؤكد أن جماعة هلالة تعاني المشكل بحدة أكبر، مضيفا أنها "تعاني من بطء إنجاز المشاريع الخاصة بالماء، ومن هذه المشاريع المهمة بناء سد "إمنتليل"، الذي سيكلف ميزانية ضخمة تقارب 50 مليار سنتيم". وأضاف أن سكان آيت باها "ظلوا منذ عقود يعانون نقصا حادا في الموارد المائية نتيجة ندرة المياه الجوفية وصعوبة الولوج إلى المنابع المائية على قلتها، بحكم الطبيعة الجبلية للمنطقة، الشيء الذي أثر ولا يزال يؤثر سلبا على مختلف مناحي الحياة"، مؤكدا أن "أزمة نقص المياه بعدد من جماعات المنطقة ستتواصل ما لم يتم تعزيز مشاريع مد شبكات الماء الصالح للشرب بمشاريع بناء سدود بالمنطقة لتعبئة الموارد المائية السطحية وتوظيفها في تلبية الحاجيات في مجالات الماء الشروب والأنشطة الفلاحية". وإذا كان سد "أهل سوس" بالجماعة الترابية آيت امزال قد ساهم ولو جزئيا في سد الخصاص في مياه الشرب بالنسبة إلى سكان بعض الجماعات المجاورة، فإن تخصيص جزء من مياهه لأغراض فلاحية وضعف حقينته سيجعل من إنشاء سدود أخرى بالمنطقة أمرا ملحا، وهو ما حرك 11 رئيسا جماعيا للترافع أمام الوزيرة المنتدبة المكلفة بالماء، ومدير المكتب الوطني للماء، ورئيس جهة سوس ماسة، من أجل تحقيق مشروعين هامّين، هما سد "إمنتليل" بهلالة، وسد "آيت العباس" بجماعة أوكنز، فضلا عن سدود تلية بمختلف الجماعات، والهدف منها هو تعبئة الموارد المائية السطحية، بالنظر إلى انعدام الموارد الجوفية. وفي هذا الصدد، قال أحمد أُوسياد إن "من شأن تسريع إنجاز سد "إمنتليل" أن يوفر نحو 20 مليون متر مكعب من الماء، بالإضافة إلى حماية تراب عمالات شتوكة آيت باها وإنزكان آيت ملول وتارودانت من الفيضانات وتغذية الفرشة المائية، مما سنتجاوز معه الأزمة الحالية". كما أشار إلى ترافع رؤساء الجماعات من أجل التعجيل ببناء سد "آيت العباس" بجماعة أوكنز من أجل تأمين الموارد المائية اللازمة لتزويد سكان المنطقة بالماء الشروب ومياه السقي، مضيفا أن هذين المشروعين الرائدين "يحتاجان إلى دفعة قوية لإخراجهما إلى حيّز الوجود". المسؤول الجماعي ذاته كشف أن الوزيرة شرفات أفيلال عبّرت، خلال لقاء جمعها، مؤخّرا، برؤساء جماعات الدائرة الجبلية، عن دعمها لمشاريع بناء السدين المذكورين، لا سيما سد "إمنتليل"، باعتباره من الأولويات. كما عبر رئيس جهة سوس ماسة عن التوجه ذاته، إذ قال: "لامسنا من خلال هذه اللقاءات الجدية في التعاطي مع هذا الملف، من أجل الإسراع بإخراج سكان المنطقة الجبلية من تلك العزلة المائية، التي عانوا منها طيلة عقود". أهمية تجاوز محنة الماء، والقطع مع الطرق البدائية في طلبه، وارتفاع تكلفة تعبئة الخزانات المائية، وتوالي شح الأمطار، و قساوة الطبيعة، دفعت السكان، مدعومين بهيئات المجتمع المدني والمنتخبين، إلى مطالبة الجهات المسؤولة بحلول آنية ومستدامة، تضمن حفظ كرامتهم عبر توفير الماء، وتشجيعهم على الاستقرار في مناطقهم، عملا بالمثل الأمازيغي الذي يقول: "أَمَانْ دْ لامانْ إِينَّا غُورْلِّين حشا أَيْكْ لْمَكَانْ"، بمعنى أن غياب الماء والأمن في مكان ما يجعله غير صالح للاستقرار.