في يوم 28 أكتوبر 2016 لقي بائع السمك محسن فكري مصرعه في مدينة الحسيمة داخل شاحنة لجمع النفايات، بعد أن طحنته وهو يحاول منع مصادرة قوته اليومي، لتبصم وفاته عن اندلاع الشرارة الأولى "لحراك الريف" بالمغرب، الذي لا زالت تداعياته مستمرة إلى يومنا هذا. وتزامنا مع الذكرى الأولى للحراك الشعبي، الذي خلف العديد من الضحايا في صفوف رجال الأمن والمتظاهرين ومئات المعتقلين الذين زج بهم في السجون على إثر مشاركتهم في الاحتجاجات، اتخذ الملك محمد السادس إجراءات عقابية غير مسبوقة في حق عدد من الوزراء والمسؤولين بسبب تأخر تنفيذ مشاريع تنموية اقتصادية واجتماعية وثقافية في منطقة الحسيمة. ورغم الخطوات والاجتماعات الحكومية التي دارت بين محور الرباطوالحسيمة، إلا أن هناك من يرى أن الواقع لم يتغير، وأن حال وأحوال الريف لم يطرأ عليها أي تغيير يذكر، بل عم الحزن أرجاء المكان بعد اعتقال حوالي 400 شخص فقط لأنهم خرجوا ليقولوا بصوت مرتفع "لا للتهميش" و"ولا للحكرة" و"نعم لتوزيع عادل للخيرات البلاد". التغييرات منعدمة سعاد الشيخي، نائبة برلمانية سابقا عن حزب العدالة والتنمية عضو المجلس الجماعي بالحسيمة، ترى أن حراك الريف الذي اندلع بسبب التهميش الاقتصادي والسياسي والتاريخي للمنطقة لم تظهر نتائجه الإيجابية بعد، بل بالعكس هناك مئات من النشطاء وراء القضبان. وفي حديث لهسبريس، أوضحت الشيخي أن توقف الاحتجاجات جاء بسبب المقاربة الأمنية الشرسة التي شهدتها المنطقة في الفترة الأخيرة، والتي لم يسلم منها حتى الجسم الإعلامي ونشطاء التواصل الاجتماعي الذين ساهموا في توثيق الأحداث الدموية. وبخصوص برنامج "الحسيمة منارة المتوسط" الذي أطاح بوزراء ومسؤولين مغاربة، أشارت الشيخي إلى أن هذه المشاريع كانت مبرمجة قبل أن ترفع الساكنة ملفها المطلبي، بل منها ما كان مخططا له قبل حكومة عبد الإله بنكيران؛ أي إن الدولة لم تتفاعل مع المطالب الرئيسية الأساسية المتمثلة في الشغل والصحة والتعليم، وأيضا في فتح تحقيق نزيه حول وفاة محسن فكري ومجموعة من الوفيات التي وقعت بالمنطقة إبان حراك 20 فبراير. واعتبرت الشيخي أن تعاطي الدولة مع ملف الريف يطبعه التناقض، خصوصا بعد تأكيد الحكومة أن مطالب الشباب مشروعة، لكنها ترفض في الوقت نفسه تمتيعهم بالسراح رغم أن التهم الجسيمة التي يتابعون بها هي "ملفقة، والجميع بات يعلم حقيقة هذا الأمر". وطالبت الفاعلة السياسية بإسقاط جميع التهم عن معتقلي الحراك والإفراج عنهم، وأوردت أن "المنطقة وخلافا لما يتم الترويج له، فإنها تعيش على وقع أزمة حقيقية"، داعية إلى إقرار حقيقي لشعار ربط المسؤولية بالمحاسبة وليس فقط تقديم "أكباش فداء ربما ارتكبوا أخطاء بسيطة بسبب الإكراهات الموجودة في المساطر القانونية، بينما يتم غض النظر عن أطراف رئيسية ساهمت في اندلاع الاحتجاجات". ثمار الحراك في المقابل، عبر نور الدين مضيان، برلماني باسم حزب "الاستقلال" عن إقليمالحسيمة، عن تفاؤله بخصوص الثمار التي نتجت عن مطالب حراك الريف، من ضمنها التعجيل بإنجاز المشاريع التي تستهدف رفع العزلة عن الساكنة وتنمية المنطقة في مجالات مختلفة. "الجماعات تحولت في المنطقة بكل صراحة إلى أوراش مفتوحة، وهذا لم يكن موجودا في السابق"، يقول القيادي الاستقلالي ضمن تصريح لهسبريس اعتبر فيه أن "عدم قيام المؤسسات بالمنطقة بدورها كان سببا رئيسيا في تفجير الأوضاع". ويرى المتحدث أن الربح الأكبر الذي خرج به "حراك الريف" هو التطبيق الصارم لمبدأ "ربط المسؤولية بالمحاسبة"، الذي ينص عليه الدستور المغربي، لكنه اعتبر أن "الزلزال لم يكن قويا لأنه لم يشمل المنتخبين المتورطين في ملفات الفساد". ولفت مضيان إلى أن الحكومة بجميع مؤسساتها مطالبة بالعمل بوتيرة استباقية، وليس انتظار انفجار الأوضاع الاجتماعية لتقوم بدور إطفائي في مختلف مناطق المغرب. أما من وجهة النظر الحقوقية، فاعتبر مصطفى علاش، رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالحسيمة، أن جميع مظاهر العسكرة التي طالب نشطاء الحراك برفعها عن الإقليم لا زالت مستمرة رغم توقف الاحتجاجات والمظاهرات. وقال الناشط الحقوقي في تصريح لهسبريس: "المطالب التي رفعها شباب الحراك نحن بعيدون كل البعد عن أجرأتها على أرض الواقع، ما عدا بعض الأشغال المرتبطة بمشروع الحسيمة منارة المتوسط"، وطالب بدوره ب"إطلاق سراح جميع المعتقلين لأنه بات مطلبا شرعيا بعد ثبوت تقصير بعض المسؤولين في تنفيذ المشاريع التنموية"، بتعبيره.