يشكك البعض في قدرة نزار بركة على تطويق مسار الإفساد الذي عاشه حزب الاستقلال منذ سنوات ، الذين ينتابهم هذا الشك لا يربطون حكمهم القاسي بنقص في عزيمة الرجل أو بغياب لنوايا الإصلاح أو بضعف في الإرادة ، ولكنهم يستعظمون عليه إمكانية استئصال ( الأورام التي خلفتها ولاية عباس الفاسي على رأس الحزب والانعتاق من سلاسل "الهامان الجديد " ) . التشريح الأوضح لحالة حزب الاستقلال في تقديري هو ذلك الذي تضمنته مقالة من خمس فقرات قوية للصحفي النبيه سليمان الريسوني يجيب فيها بيقين على سؤال : هل يصلح نزار ما أفسده الدهر ؟ مستبعدا أن يقْوى الأمين العام الجديد على تطويق الإفساد بعد أن انتصر حزب الانتخابات على حزب علال الفاسي .والعائق في رأي الريسوني الذي يحول دون ذلك : أورام وسلاسل . في رسالة بعثتُها للصديق نزار قبل ثلاثة أشهر ، ثم عممتها بعدئذ ، أكدت له أن التوافقات إذا كانت ظاهريا تفك بعض الإشكاليات وتقلص المسافات نحو الحلول ففي طياتها للأسف كثيرا ما تسكن مخاطر محدقة بسلامة البناء ونجاعة الإصلاح ، كنت عندها كما الكثيرون نشم في طيات الحرص على وحدة الحزب رائحة التوافق مع من أوصلوه لما هو عليه من وهن ، لم يكن أمام المرشح لقيادة معركة التغيير وتصحيح المسار خيار غير خطاب الوحدة والميل دون تفريط إلى حيث ترجح موازين القوى . نزار يعرف حق اليقين أن الأخطر ليسوا الخصوم والمشاكسين المعلنين ولكنهم ذلك الجيش من المنافقين والتافهين الذين أضروا بالعمل السياسي وبالحزب أيما إضرار بسلوكهم الانتهازي ونفاقهم المقيت والذين سيجدهم متربصين حواليه صباح مساء متملقين لا يرف لهم جفن . نزار طوّق نفسه بأمانة تنزيل مشروع يلقى انخراطا واسعا في الحزب ، مشروع له عنوان وتفاصيل وله بدون شك هوية وجذور . ومشروع كهذا ليرى النور ويُبعث حيا ، يحتاج لكفاءات ولمجهود جدي وفعالية وآليات حقيقية لا إلى البهتان و"تعْمار الشّهارج " وصاحب مشروع من هذا القبيل وبهذه التحديات الكبرى ليس لديه وقت يضيعه في تفاهات التنابز والتزاحم والتنافس الرديء على المناصب والتسابق إلى المزايا والتهافت على المسؤوليات .. ذلك هو الامتحان الكبير الذي يُقبل عليه الأمين العام الجديد، وهو امتحان جماعي ، لسنا في أسطورة شمسون الجبار ، هو امتحان لنخبة من الحزب ولقواعده العريضة من المناضلين ، امتحان موضوعه الرئيسي : فك " الشيفرة " بين رهان الامتداد الشعبي ومسؤولية تنفيذ المشروع المجتمعي الذي يتأسس على اختيارات وبرامج قابلة للإنجاز . الشعب ما عاد يطيق خطبا ومهرجانات كلام ، الشعب يمقت السياسة المزوقة بالوعود الانتخابية الجوفاء التي ترددها جوقات مأجورة وما عادت تدغدغه صياحات الحناجر ولا تنفس عنه كربه ولا احتباس الأحلام في صدره ، الشعب ملّ من تحليلات الصالونات المتجاوزة على الشاشات وأعمدة الصحف والشبكات ..الشعب يريد أمنا و شغلا وصحة وتعليما ...يريد كرامة العيش . نزار يستطيع النجاح في هذا الامتحان العسير إذا تمكن الحزب من حل الشيفرة المعلومة : (..المقاعد تهمنا في حدود التزام شاغليها أو المرشحين لها بالمشروع الذي يتجاوب مع إرادة الشعب لا مع كمشة من المتهافتين المَصْلَحْجيِين ). إن ولاية عباس الفاسي لم تخلف أوراما خبيثة في جسد الحزب بل كدمات وجروح وندوب لحسن الحظ قابلة للعلاج ، غير أنه علاج يظل موقوفا حقا على مدى كفاءة الطبيب وفعالية الدواء وجودة الوصفة .. نزار لا يملك وصفة سحرية ولكن تعهداته التي تلقى انخراط المخلصين للقيم والمبادئ بمقدورها أن تكون بلسما للجسد الجريح يتعافى به من كدماته وندوبه ويستعيد كامل نضارته .هذه الدينامية وحدها من شأنها تجديد الأمل والطموح للعودة بالعمل السياسي إلى سكة المسار الوطني المتجاوب مع التطلعات للتقدم والحرية والازدهار في غير شعبوية ولا تجييش ولا إقصاء . هذه الدينامية وحدها كفيلة بتكسير سلاسل كل " الهامانات " ونسف كل تسييج لإرادة التصحيح متى هبّت رياح إعادة الاعتبار لاقتلاع أشواك التردي من حقل العمل السياسي الخصيب . نزار إذن يستطيع ..ولكن دفتر التحملات مثقل بشروط مكبل بقيود ، وقد قرر رفع تحدياتها لا تعوزه لكسبها ثقة ولا كفاءة ولا مؤهلات ، حقا إصلاح مفاسد الدهر طريق شاق ودربه طويل ولكنه سار ومن سار على الدرب وصل.