الانتخابات هي التعبير الأكثر تهذيبا لوصف " الحروب الأهلية الحزبية" و يبدو أن الإنتخابات السابقة لأوانها القادمة لن تخرج عن هذه القاعدة ,خصوصا أن النقاش العمومي يتجه نحو تحميلها أمالا كبرى من المفيد القول بأنها أمال ممكنة التحقق إذا استطعنا في هذه اللحظة الموازنة بين النقاش العام المتعلق بالقوانين الانتخابية و الشروط الأخلاقية العامة لتأمين اللحظة الإنتخابية القادمة,لتكون أكثر تعبيرا عن الديمقراطية ومدخلا سياسيا حقيقيا للإجابة عن انتظارات المواطنين الاجتماعية و الاقتصادية, هذه الحقيقة استشعرتها المؤسسة الملكية و التي تبدو أكثر تأثرا بنسائم "الربيع العربي من أحزابنا السياسية وخطاب 20 غشت الأخير هو خطاب أولا و أخير لتأمين اللحظة الانتخابية القادمة , لقد أعاد خطاب 20 غشت إلى المعادلة السياسية المغربية العنصر الضائع منها و المثمتل في المواطن الذي طالما ضحية نفسه وضحية الأحكام المسبقة و الجاهزة المتداولة بشأن السياسية و السياسيين ,و حتى إذا كانت اللحظة الإنتخابية محكومة بضلال السوسيولوجية أكثر من الضوء القانوني فمن شأن الاختيار الواعي للمواطن أن يغير هذه المعادلة,لقد قالها الملك صراحة" أصواتكم هي الحل....ومصير كم بين أيديكم" ولقد أدت "الأغلبية الصامتة "ثمن عدم استيعابها لهذه الحقيقة غاليا وساهمت في تقوية أطروحة مغرب الفرص الضائعة. وفي وقت يكتر فيه الحديث عن سبل تجديد ( النخب السياسية)وجعلها بمستوى الإنتظارات المجتمعية من يلاحظ أن هناك نزوعا نحو اختصارها في المركز وعدم وعي الفاعلين صانعي النقاش العمومي بالبعد الجهوي للنخب باعتبار أن الجهوية المتقدمة هي إعلان عن فتح مجال السياسية ودعوة لبروز نخب جديدة محلية/جهوية قادرة على العمل في تكامل مع النخب المركزية. فإذا كانت فنخبتنا السياسية و الحزبية الحالية لم تفهم أبدا الجزء المهم في"نظرية النخب" و المثمتل في دورانها(دوران النخب). فآليات التنخيب مازالت وفية لشرط العائلة و القرابة ومبدأ انتظار الدور (الذي لا ينتج غير النخب الشائخة), ولم تستطع جعل الكفاءة و الاستحقاق هما الشرطان الوحيدان للتنخيب وثم جعل حملة ومسوقي المشاريع الحزبية الانتخابية في مستوى اللحظات السياسية الكبرى . إن خطاب 20 غشت إعلان صريح لموت أطروحة"مركزية النخب" بل يتجاوز ذالك نحو الإشارة إلى ضرورة تدرج النخب محليا/جهويا ثم وطنيا من أجل إعدادها لتدبير الشأن العام, ويضع الأحزاب السياسية أمام مسؤوليتها في وقت ينحو بعضها نحو تأزيم النقاش العمومي بخطابات المظلومية السياسية و المزايدات السياسوية أو الاستقواء بالدين أو برساميل الدولة, فدور الأحزاب السياسية ليس التباري على الدفاع عن الملك والمؤسسة الملكية ضد طرف معين مهما كانت مرجعيته, فالمؤسسة الملكية ليست في حاجة لذالك ومن يعتقدون بصلاح تلك الأطروحة يمكن اعتبارهم واهمين سياسيين فقط . إن الأحزاب السياسية آليات ثمتلية و وساطة واقتراح برامج انتخابية حقيقية و معقولة من أجل كسب ثقة الناخبين و الوصول إلى تدبير الشأن العام وتحمل المسؤوليات السياسية و الاستعداد للمحاسبة وهي ملزمة اليوم بأن تقدم لنا نخب مواطنة و مؤهلة و ليس المتهربين من أداء الضرائب و تجار الأصوات و أشياء أخرى. و أن تفتح الباب أمام الطاقات الكامنة في داخلها و أن تحافظ خصوصا التقدمية منها و الديمقراطية على مواقفها المشرفة و التي رفضت التحكم الإداري في الحياة السياسية في لحظات حالكة من تاريخينا السياسي, و على الإدارة أن تترجم حيادها االإيجابي إلى أفعال ملسوسة على أرض الواقع أثناء مواكبتها للنقاش العمومي و حتى لحظة إشرافها المباشر على سلامة و نزاهة الإنتخابات.كما أن قوى المجتمع المدني وقبل أتلعب دورها في المساهمة في تحصين المسار الانتخابي فهي مطالبة بالتخلص من جزء كبير منها ليس إلا أداة بيد السياسيين لإعداد و تهيئ الدوائر الانتخابية. يبقى من الضروري الإشارة في النهاية إلى تأكيد الملك في خطابه على أهمية إشراك الشباب المؤهل في المسلسل الإنتخابي المقبل و إيجاد أفضل الطرق لذالك و عندما نتأمل هذه الإشارة الملكية الواضحة و نقارنها مع الموقف المخجل للعديد من الأحزاب السياسية من اقتراح التميز الايجابي لفائدة الشباب, نستشف أن مقولة" الأحزاب لا تعكس إلا المجتمع الذي توجد فيه" في الحالة المغربية ليست سوى واقعا مزيفا حان الوقت لتغييره. *باحث في علم السياسية و تدبير الشأن العام