لا عجب أن أحد أكثر البرامج شعبية ومتابعة يذاع على محطة راديو "راي" الإيطالية العامة هو برنامج "نو كنتري فور ينج مين"، أو "لا وطن للشباب"، في دولة تعاني من ركود اقتصادي ولا توفر سوى آفاق محدودة للغاية للأجيال الشابة. وعلى مدى السنوات الست الماضية، كانت نسبة البطالة بين الشباب لا تقل عن 30 في المئة. وانتقل نحو 50 ألف شخص تحت سن ال40 إلى الخارج في عام 2015، من بينهم 23 ألف خريج جامعي. ووجد تقرير أن 75% من الشباب يعتقدون أن فرصهم ستكون أفضل عند الانتقال إلى أماكن أخرى في أوروبا. ويقول لوكا باولازي، كبير الاقتصاديين في اتحاد أصحاب الأعمال الإيطالي "كونفيندوستريا"، إن إيطاليا "تستنزف" المواهب، مؤكدا أن هجرة ذوي الكفاءة تعرقل النمو الاقتصادي في البلاد، مضيفا: "هذا يمثل حالة طوارئ حقيقية". وتعتبر إيطاليا من الدول سيئة السمعة بسبب حصتها القياسية مما يسمى ب"معدل نيت"، وهم الشباب الموجودون خارج نطاق التعليم والعمالة والتدريب. وفي عام 2016، بلغت نسبة هؤلاء 30.7%، مقارنة بمتوسط الاتحاد الأوروبي البالغ 18.3%، وفقا للإحصاءات. ويقول ماسيميليانو فاليري، مدير معهد البحوث الاجتماعية "شينسيس"، لوكالة الانباء الألمانية "د.ب.أ": "لم يعد بإمكان الشباب اليوم أن يحلموا بأن يكونوا أكثر ثراء من آبائهم وأجدادهم"، مضيفا أن "هذا الأمر لم يسبق له مثيل في تاريخ إيطاليا بعد الحرب". واستيقظت حكومة يسار الوسط، التي يرأسها رئيس الوزراء باولو جنتيلونى، على هذه الأزمة، وتعهدت بأن يتضمن قانون الميزانية للعام المقبل، الذي سيقدم بحلول ال15 من أكتوبر، إجراءات لتعزيز عمليات توظيف الشباب. وقال وزير الاقتصاد الإيطالي، بيير كارلو بادوان، مؤخرا إن "هناك موارد محدودة للغاية أمام الحكومة بسبب قيود الميزانية". وأضاف بادوان: "من المؤكد أن عمالة الشباب هي أحد العناصر القليلة جدا التي سيجري استهدافها" في خطط الموازنة. والفكرة المطروحة حاليا على طاولة البحث تتمثل في خفض تكاليف الضمان الاجتماعي للمعينين حديثا، الذين هم دون عمر معين، سيجري تحديده لاحقا. وتنظر الحكومة أيضا في إحالة ما يصل إلى 500 ألف موظف في القطاع العام إلى التقاعد المبكر، من أجل إتاحة وظائفهم للأجيال الشابة. لكن هناك مخاوف من أن الإعفاء الضريبي للموظفين الشباب فقط قد يشجع الشركات على فصلهم بمجرد تقدمهم في العمر. وهناك أيضا شكوك بأن تكون الوعود بوظائف حكومية جديدة قبيل انتخابات العام المقبل مجرد وعود سياسية جوفاء. وتقول فيرونيكا دي رومانيس، كاتبة خبيرة اقتصادية: "من الرائع أن يتحدث السياسيون أخيرا عن الشباب"، مضيفة: "لكن ربما هناك ثمة سببا لعدم قيام أي دولة أخرى بالتصدي لمشكلة البطالة بين الشباب عبر عمليات تشغيل واسعة النطاق في القطاع العام". وفي مارس، اقترح مركز الأبحاث "فونداسيون فيسنتي" حلا أكثر راديكالية، يتمثل في فرض ضرائب على المتقاعدين الأكثر ثراء بهدف جمع الأموال لمخططات رعاية الشباب. وتزعم المجموعة أن هذ الطرح "مناسب ليس فقط من الناحية الأخلاقية، بل أيضا اجتماعيا واقتصاديا". ومن أجل تسليط الضوء على آفاق الحياة المتدهورة لدى الشباب الإيطالي، قدر مركز الأبحاث أن متوسط العمر الذي يمكن أن يصبح فيه الشاب مكتفيا ذاتيا من الناحية المالية سيرتفع من 30 عاما، كما كان الحال في عام 2004، إلى 38 عاما في عام 2020، و48 عاما في عام 2030 . وصرح إنزو لاتوكا، 29 عاما، أصغر عضو في البرلمان الإيطالي، المعاصر لهذه الأزمة: ل"د.ب.أ" بأن 30% من أقرانه في المدرسة الثانوية هاجروا من إيطاليا، لكنه لا يرى حاجة إلى وضع الشباب في مواجهة كبار السن. ويقول لاتوكا، الذي ينتمى إلى الحزب الديمقراطي الحاكم، أن ذلك هو "الخطأ الذي يجب أن نتجنبه (...) لا أومن بفكرة أن السبيل الوحيد لجعل حياة الشباب أفضل هو جعل حياة المسنين أسوأ". وتتفق نقابات العمال مع النائب الشاب أيضا؛ فقد حثت الحكومة، الأسبوع الماضي، على تأجيل خطط رفع الحد الأدنى لسن التقاعد لمدة خمسة أشهر، ليصبح 67 عاما في عام 2019، لكنها أيضا "تدعم صندوق معاشات الشباب المستقبلي". هل يمكن أن يكون هناك ما يكفي للجميع؟ من المتوقع أن ترفع الحكومة هدف النمو هذا العام إلى 1.5 في المئة، وهو المعدل الأعلى على مدار 10 أعوام، مما يمنح الوزير بدوان مساحة إضافية للإنفاق، ولكنها ليست كبيرة نظرا لحجم المديونية العامة الهائلة. ويقول فاليري: "إذا كانت البطانية قصيرة، فمن الصعب أن يشعر الجميع بالدفء"، مضيفا أن انخفاض معدلات المواليد ومتوسط العمر الأطول المتوقع عامل يجعل المجتمع الإيطالي يهيمن عليه المسنون بشكل متزايد. ويتابع فاليري: "الحقيقة هي أن لدينا عددا أقل من الشباب حاليا، وهذا يجعلهم أقل أهمية سياسيا (...) إنه أمر محزن، ولكن كبار السن الذين يقاتلون من أجل حقوقهم في المعاشات التقاعدية أكثر تأثيرا من الشباب الذين يقاتلون من أجل حقوقهم في العمل". *د.ب.أ