الشيئ الذي لا يصدقه عقل هو أن الرمل آخذ في النفاد في العالم. أو على الأقل ذلك النوع من الرمال الذي تحتاجه الصناعات. وبحسب ما ذكره برنامج الأممالمتحدة للبيئة (يونيب) فإن الرمل والحصى، المعروف باسم الركام أو مواد الملاط، يستخدم بكميات أكبر من أي مادة خام أخرى على وجه الأرض باستثناء المياه. ويقول البرنامج إن استخدامه يتجاوز كثيرا معدلات التجديد الطبيعية. ويقول كاي كريستيان ايميس، مدير معهد البحوث الساحلية بمركز هيلمهولتز للمواد والبحوث الساحلية (اتش زد جي) قرب هامبورج بألمانيا، إن: "الطلب العالمي على الرمل هائل – حيث يقدر بنحو 14 مليار طن سنويا، ويستخدم أكثر من نصفه في قارة آسيا". وأوضح برنامج (يونيب) إن الرمل ، الذي لا غنى عنه في أشياء متنوعة مثل الزجاج والورق ومعجون الأسنان والمنظفات ومستحضرات التجميل والإلكترونيات وعلم الطيران ، يستخدم في غالب الأمر في البناء واستصلاح الأراضي. وتصنع الخرسانة من الأسمنت والماء والرمل والحصى. وحتى البلدان الصحراوية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تستورد الرمل - الرمال البحرية من أستراليا، على سبيل المثال - لبناء ناطحات السحاب في بلادهم. . ويقول هارالد إلسنر، عالم الجيولوجيا بالمعهد الاتحادي الألماني لعلوم الأرض والموارد الطبيعية ( بي جي آر) إن التركيب المعدني وتوزيع حبيبات الرمال الصحراوية غير مناسب للبناء. ويضيف برنامج (يونيب) إنه لا يمكن استخدام معظم الرمال الصحراوية في تصنيع الخرسانة أو استصلاح الأراضي، حيث أن التآكل الذي تسببه الرياح يشكل حبات مستديرة من الرمال لا تمتزج بشكل جيد. عندما أنشأت دبي مجموعة من 300 جزيرة اصطناعية تمثل خريطة للعالم، استخدمت 450 مليون طن من الرمال الأسترالية. وكما يوضح مركز (اتش زد جي) ، فإن الرمل الصحراوي يتطاير بفعل الرياح بسرعة كبيرة للغاية. ولم تترك طفرة البناء التي اجتاحت جميع أنحاء المعمورة ، ولا سيما في الصين، ألمانيا تقف موقف المتفرج . ووفقا للإحصاءات الحكومية، فإن أكثر من 270 ألف مسكن في ألمانيا إما بنيت حديثا أو أعيد بناؤها في عام 2016 - وهو رقم قياسي. ويتوقع الاتحاد الألماني لصناعة البناء أن يصل العدد هذا العام إلى 300 ألف مسكن. ويقول معهد (بي جي آر) إن الرمل والحصى هما أكبر مجموعة موارد في البلاد من حيث حجم الاستخراج. ويتم استخدام نحو 239 مليون طن من الركام سنويا في البناء في ألمانيا. وتم إلقاء الضوء على التعطش الشديد للرمال في جميع أنحاء العالم في فيلم وثائقي بعنوان "حرب الرمال" عام 2013 للمخرج الفرنسي دينيس ديليستراك، الذي حذر من أن التعدين غير القانوني للرمال يمكن أن يجعل الشواطئ ضربا من الماضي بنهاية القرن الحادي والعشرين. وكان الفيلم مصدر إلهام لتقرير برنامج يونيب للتحذير البيئي في مارس 2014 ، والذي حمل عنوان "الرمال أكثر ندرة مما يمكن للمرء أن يتخيله". وأوضحت مؤسسة "أواز" ومقرها مومباي ، وهى منظمة غير حكومية معنية بشؤون البيئة، أن الرمال يتم تعدينها بشكل غير قانوني فى ولاية ماهاراشترا الهندية وفي المدن الكبرى مثل مومباي. ويخاطر الأطفال بحياتهم عن طريق الغوص في الرمال باستخدام أيديهم العارية ودلائهم . وحذرت سميرة عبد العلي رئيسة المؤسسة،على مدى سنوات من تأثير تعدين الرمال على البيئة : تدمير النظم البيئية البحرية، وتآكل الأراضي وما يترتب على ذلك من أضرار للجسور وغيرها من البنى التحتية، وتشكيل خطر على إمدادات المياه وحماية الفيضانات. وأوضحت عبد العلي خلال حديثها في مؤتمر تيدكس العام الماضي في معهد الهندسة في سانت كزافييه في مومباي أن : "البناء يتطلب رمالا ، ونحن جميعا نعلم ذلك". وأضافت "لكننا لا نتوقف عن التفكير في مصدر تلك الرمال، وكيف يتم استخراجها ومدى تأثيرها على الناس". ويقول إلسنر ، عالم الجيولوجيا في معهد ( بي جي آر)، إن أوروبا محظوظة لعدم وجود نقص في الرمال، مضيفا أنه "لا توجد تقديرات خطيرة لكمية الرمال المتاحة [في ألمانيا] لأن كل شيء من برلين إلى هانوفر كان مغطى بالرمال التي شكلتها أنهار الجليد خلال العصور الجليدية. ومرت عشرات الآلاف من السنين من الكشط عن طريق تآكل الجليد وسحق الصخور، التي تشكلت عن طريق قوى مثل المياه المتدفقة في الأنهار والبحار، وفي نهاية المطاف أصبحت رمالا . وأضاف إلسنر: "إن سمك الرمال في شمال ألمانيا تتجاوز عدة مئات من الأمتار في بعض الأماكن...وكلها قابلة للاستخدام، ولكن بما أن الرمال رخيصة جدا، لا يستخرجها أحد من هذا العمق بالطبع". ويضيف إلسنر إن السعر، الذي يتراوح بين 2 و3 يورو (40ر2 إلى 60ر3 دولار) للطن، ثابت بشكل عام. وتصدر ألمانيا نحو 5 في المائة من الرمال التي تقوم بتعدينها ، وذلك وفقا للاتحاد الألماني للركام (ميرو). ويقول توماس مولر، وهو مدير مبيعات بشركة إنشاءات في جنوبألمانيا إن: "الطلب موجود". ويضيف قائلا :"حتى الآن مطلوب بشكل أساسي للرمل الخاص بتنقية المياه، ومعالجة مياه الصرف الصحي وصناعة المسبوكات". وقامت شركة مولر بإرسال رمال الكوارتز إلى دبي و2500 طن من الرمال الخاص بتنقية المياه إلى الأردن لتنقية مياه الآبار، على سبيل المثال. وربما حظيت ألمانيا بنعمة وجود الكثير من الرمل ، ولكنه مثل العديد من الموارد الطبيعية، قابل للنفاد. ويقول ايميس إن: "المشكلة في الموارد الطبيعية هي أنها تستغرق وقتا طويلا لتتراكم. وأضاف "لقد مرت 10 آلاف سنة فقط منذ العصر الجليدى الأخير، ولا زالت عملية تراكم الرمال الطبيعية على السواحل اليوم غير مكتملة". وللمساعدة في الحفاظ على الرمال، يعمل العلماء على إعادة تدوير أنقاض البناء. ولكن ديتمار ستيفان، خبير مواد البناء في الجامعة التقنية في برلين، ليس متفائلا رغم التقدم السريع . إذ يقول :"إن التطورات في هذا المجال بطيئة نسبيا"، مشيرا إلى عدم وجود حوافز مالية. *د.ب.أ