على الرغم من أن عقوبة الإعدام لم تعد تنفذ في المغرب منذ شهر غشت 1993، إلا أن المملكة لم تنجح إلى غاية اللحظة في ملاءمة قوانينها مع ما تنص عليه المواثيق الدولية بشأن العقوبة الأقسى ضمن لائحة العقوبات الموجودة؛ ويتواصل بذلك النقاش السياسي والديني والحقوقي حولها، بين من يراها "عقوبة ظالمة"، منتصرا للحق في الحياة، وبين من يراها "رادعا أخلاقيا"، مؤيدا استمرار النطق بها داخل أروقة المحاكم. وبغرض فتح نقاش جديد حول هذا الحكم، في وقت تعرض فيه التعديلات على القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية على أنظار نواب البرلمان، نظّم المجلس الوطني لحقوق الإنسان وجمعية "معا ضد عقوبة الإعدام"، بشراكة مع الجمعية الفرنكوفونية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، اليوم الأربعاء بالرباط، ندوة إقليمية حول عقوبة الإعدام بإفريقيا الفرنكوفونية. وفي الكلمة الافتتاحية لهذه الندوة الإقليمية الممتدة على مدى يومين، اعترف محمد أوجار، وزير العدل، بأن هناك العديد من الاعتبارات التي تجعل من هذا الموضوع يكتسي طابعا مركبا، لافتا الانتباه إلى أن المدخل الرئيسي لتجاوز حالة الخلاف الحاصلة بين مختلف الآراء يكمن في نقاش مجتمعي وسياسي وحقوقي شامل. وزير العدل قال إن الفصل 20 من دستور 2011 نص لأول مرة على الحق في الحياة، وأكد على حمايته، معتبرا أن "هذا الإقرار الدستوري خطوة جريئة"، قبل أن يزيد: "غير أن القانون الجنائي استثنى من هذه القاعدة العامة إمكانية الحكم بالإعدام". وأوضح أوجار أن القانون الجنائي نص على عقوبة الإعدام في 31 حالة، مضيفا أن الأحكام الصادرة لم تنفذ منذ شهر غشت 1993، فيما لا يتجاوز عدد المحكومين بهذه العقوبة إلى غاية غشت الماضي 90 حالة، بعدما كان الرقم في حدود 120 قبل سنتين. وأكد المسؤول الحكومي أن هناك توجها مؤسساتيا لخفض الجرائم التي تنص على الإعدام في مشروع القانون الجنائي ومشروع قانون المسطرة الجنائية إلى 8 حالات فقط، بالإضافة إلى 3 جرائم جديدة على رأسها الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، مشيرا إلى أن آلية العفو الملكي ظلت مخرجا للتخفيف من عدد حالات الإعدام. من جانبه، قال محمد أليكسيس لوكور كرانميز، الوزير المستشار لدى السفارة الفرنسية بالمغرب، إن فرنسا لديها التزام كبير إزاء إلغاء عقوبة الإعدام، وخاصة في بلدان إفريقيا الفرنكوفونية، منوها بتزايد عدد الدول الإفريقية التي أقرت إلغاء هذه العقوبة. وكانت دولة إفريقية واحدة إلى حدود سنة 1990، وهي الرأس الأخضر، حسب الأرقام الذي استشهد بها كرانميز، ألغت عقوبة الإعدام، قبل أن تقر 20 دولة عضو في الاتحاد الإفريقي إلغاء هذه العقوبة في القانون، و21 دولة أوقفت فعليا تنفيذ أحكام الإعدام، مقابل 13 دولة فقط هي التي مازالت تحتفظ بها. وأشاد المستشار لدى السفارة الفرنسية بالمغرب بالعمل الذي يقوم به مختلف الفاعلين الحقوقيين بالمغرب المناهضين لعقوبة الإعدام، مسجلا أن النقاش حول هذه العقوبة يتطور عاما بعد آخر بفضل مبادرات مختلفة وجادة، ومؤكدا في المقابل أن المملكة تبقى شريكا إستراتيجيا لفرنسا بالمنطقة للدفع في اتجاه الإلغاء الكوني لعقوبة الإعدام.