بدا من الوهلة الأولى من صباح اليوم الثلاثاء الولوج إلى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، تزامنا مع محاكمة المجموعة الأولى من معتقلي حراك الريف، والتي تضم 20 متهما، أمرا صعبا مقارنة مع الأيام السابقة..استنفار أمني وإجراءات تفتيش بالبوابة الرئيسية، ومراقبة دقيقة للوافدين على المحكمة؛ وحضور الوكيل العام للملك حسن مطار زاد من حدة هذه الإجراءات. ورغم قرار تأجيل الجلسة إلى غاية الثالث من شهر أكتوبر المقبل، بسبب طلب هيئة الدفاع إعداد الملف، إلا أنها استمرت لساعات طوال بسبب مرافعات المحامين الرامية إلى الحصول على السراح المؤقت لموكليهم. "عاش الريف" توافد على القاعة رقم 8 بمحكمة الاستئناف العشرات من المحامين الذين حضروا منذ التاسعة صباحا لمؤازرة المعتقلين..أسر المتهمين بدورها حضرت، بعدما خضعت كذلك لإجراءات تفتيش ومراقبة، أكد مصدر من المحكمة أنها "إجراءات روتينية وعادية هدفها التأكد من هوية الأشخاص الذين يلجونها وعلاقتهم بالملفات المعروضة أمامها". وبدا المتهمون الذين مثلوا أمام المحكمة في وضعية جيدة، بين الفينة والأخرى كانوا يرفعون شارات النصر عند رؤيتهم لأفراد أسرهم..نبيل أحمجيق، "دينامو الحراك"، الذي يقود هذه المجموعة، بدا منتشيا وهو يتجه صوب رئيس الجلسة علي الطرشي، رافعا شارة النصر. ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل عمد بعض المعتقلين بعد رفع الجلسة من طرف علي الطرشي إلى ترديد شعار "عاش الريف" وسط القاعة. مشادات ترفع الجلسة حرارة الملف الذي يحظى بمتابعة الرأي العام الوطني والدولي زادتها حرارة القاعة التي لم تنفع معها المكيفات الهوائية، لتتضاعف مع الخلافات التي نشبت بين هيئة الدفاع والمحكمة والنيابة العامة. منذ الوهلة الأولى نشبت خلافات بين هيئة الدفاع التي يفوق عددها ستين محاميا، وهيئة الحكم؛ وذلك إثر عدم استدعاء القاضي للمتهمين للمثول أمامها. واضطرت هيئة الحكم أمام المشادات التي وقعت بينها وبين النقيب عبد الرحيم الجامعي إلى رفع الجلسة خمس دقائق قبل أن تعود إلى استئنافها ويتم استدعاء المتهمين أمامها. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل عادت الأوضاع لتتوتر من جديد، خاصة حين رفضت المحامية خديجة الروكاني مقاطعتها من طرف رئيس الجلسة، إذ انتفضت في وجهه قائلة: "لست تلميذة بقسم كي أعامل بهذه الطريقة، أنا دفاع حق عليكم احترامي ولا حق لكم في مخاطبتي هكذا". وتواصلت عملية "الشد والجذب" بين الدفاع والنيابة العامة، الممثلة في شخص حكيم الوردي، وهو ما دفع للمرة الثانية رئيس الجلسة علي الطرشي إلى رفعها. ملتمسات بالسراح المؤقت ترافع عدد من أصحاب البذلة السوداء، مطالبين هيئة الحكم بمنح المعتقلين سراحا مؤقتا، على اعتبار أنهم يتوفرون على ضمانات للحضور. واعتبر نقيب المحامين عبد الرحيم الجامعي، في مرافعته، أن الحرية أساس الكرامة، مشيرا إلى أنه "جرى انتهاك قرينة البراءة باعتقال هؤلاء". وأردف الجامعي: "بالسراح المؤقت ستحققون الاستقرار للوطن وتجيبون عن ملاحظات المنظمات الدولية وهجمات المتربصين بالمغرب". أما المحامي أغناج فأوضح في ملتمسه السراح المؤقت أن "بعض المتابعين في ملفات تتعلق بالفساد واختلاس أموال عمومية يتابعون في حالة سراح مؤقت، بينما هؤلاء يتابعون في حالة اعتقال"، مشيرا إلى أن المتهمين "مستعدون للمثول أمام المحكمة في جميع مراحل التقاضي". موقف النيابة العامة اعتبر ممثل النيابة العامة، حكيم الوردي، في مرافعته، أن "النيابة العامة حريصة على أن تتم المتابعة تحت جميع الضمانات التي توفرها، ليس فقط المسطرة الجنائية ولكن حتى ما تنص عليه مواثيق حقوق الإنسان الدولية، وهو ما تجلى من خلال مراحل التحقيق إلى الوصول إلى الجلسة". وأوضح ممثل النيابة العامة أن الأخيرة "كانت لها الجرأة، إذ اكتفت بالمراقبة القضائية لبعض المتهمين"، مضيفا أنها "حريصة على كرامة المغاربة". وبرر الوردي قرار النيابة العامة متابعة المتهمين في حالة اعتقال ورفضها منحهم السراح المؤقت بكون "الأفعال التي قاموا بها مست النظام العام؛ ذلك أنها أثرت في الاقتصاد بمدينة الحسيمة، ومن كان يرغب في التوجه إليها للتخييم لم يقم بذلك". وأردف الوردي بأن هذه الأفعال "خلخلت الهدوء والسكون، وبالتالي يصعب متابعة مرتكبيها في حالة سراح مؤقت"؛ وهو ما جعل بعض المتهمين يسخرون من الاتهامات الموجهة إليهم من طرف النيابة العامة. ونفى الوردي أن تكون هناك جهات خلف تحريك الملف، ودافع عن استقلالية النيابة العامة، مردفا: "لا وجود لمن يأكل الشوك بفم القضاء، هناك أدلة أسقطت قرينة البراءة"؛ وعبر عن استغرابه من الكلام الصادر عن هيئة الدفاع حول كون الملف مفبركا، إذ قال: "حين أسمع أن الملف مفبرك يؤلمني ذلك، نحن لا نؤثث المشهد، فالنيابة العامة مستقلة وملزمة بتطبيق القانون".