رغم أن القانون المغربي لا يجرم زواج القاصرين والقاصرات دون سن 18 سنة، إلا أن حالاته المنتشرة في المملكة تدفع كل حين هيئات المجتمع المدني وحقوق الإنسان إلى دق ناقوس الخطر حول ظاهرة زواج القاصرات التي تشير تقارير غير رسمية إلى أنها تسجل ارتفاعا ملموسا، في وقت تنفي الحكومة هذا الارتفاع، خاصة في السنوات الماضية. مناسبة الحديث من جديد عن ظاهرة تزويج الطفلات أو القاصرات أقل من السن القانوني للزواج، المحدد في المغرب في 18 عاما، هو تقرير أخير صادر عن البنك الدولي، بعنوان "التأثيرات الاقتصادية لزواج الأطفال"، نشره بمعية المركز الدولي لبحوث المرأة، الذي أقرّ بأن زواج القاصرين والقاصرات سيكبد البلدان النامية خسائر تقدر بتريليونات الدولارات بحلول عام 2030. ورغم أن التقرير استثنى المغرب من الدول العشرين الأولى في العالم التي ينتشر فيها زواج القاصرات، والتي أغلبها من الدول الإفريقية كمالي وغينيا والنيجر والموزمبيق، بجانب الهند ونيبال والدومينيكان، إلا أنه حذر حكومات باقي الدول من كلفة زواج الأطفال، التي تسهم وفقه في عدد من العواقب الضارة، تشمل التسرب من التعليم والحمل المبكر والعنف المنزلي ووفاة الأطفال. وتوجه البنك الدولي برسالة يحث فيها حكومات الدول النامية على ضرورة إنهاء زواج الأطفال لكونه أحد أهداف الأممالمتحدة للتنمية المستدامة، مشيرا في هذا السياق إلى أنه في كل يوم تتزوج 41 ألف فتاة قبل أن تبلغن 18 من عمرهن، ما يفيد بأن هناك 15 مليون زواج فتاة كل عام؛ على أن الفتيات هن الأكثر تأثرا بهذه الممارسات في أغلب مناطق العالم. زواج القاصرات يبقى مدمرا، حسب وصف التقرير، الذي قال إنه يؤدي إلى فقدانهن فرص التعليم والكسب، فضلا عن المخاطر الصحية التي ينطوي عليها الإنجاب في سن مبكرة، إذ إن الولادات من أم يقل عمرها عن 18 سنة هي أكثر عرضة للوفاة عند خمس سنوات، وأيضا الأكثر تعرضا للإصابة ب"التقزم"، دون الخامسة. توصيات البنك الدولي ضمت ضرورة التزام الدول بإبقاء الفتيات القاصرات في المدارس، وأشار إلى تمتع الفتيات اللائي أكملن تعليمهن الثانوي بصحة أفضل، وأوصى بالمشاركة في سوق العمل الرسمي والقدرة على زيادة دخلهن، "ثم التزوج لاحقا وإنجاب أطفال أقل، وتوفير رعاية صحية وتعليم أفضل للجيل القادم". زواج قانوني في المغرب زواج القاصرات قانوني في المغرب، بموجب مدونة الأسرة، التي تشير في المادة 20 إلى أن "لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية (18 سنة شمسية)، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك"، وذلك "بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي"؛ على أن "مقرر الاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر غير قابل لأي طعن". ورغم أن شروط تزويج القاصر لا يتم احترامها في عديد من الحالات، حسب إفادات حقوقية، إلا أن المادة الموالية من المدونة تتحدث عن أن "زواج القاصر متوقف على موافقة نائبه الشرعي. وتتم موافقة النائب الشرعي بتوقيعه مع القاصر على طلب الإذن بالزواج وحضوره إبرام العقد"، لتقول إنه "إذا امتنع النائب الشرعي للقاصر عن الموافقة بت قاضي الأسرة المكلف بالزواج في الموضوع". اعتراف حكومي في ماي من العام الماضي، اعترف المصطفى الرميد، وزير العدل والحريات في حكومة عبد الإله بنكيران، بأن زواج القاصرات يبقى "ظاهرة اجتماعية مرفوضة وبالغة التعقيد"، ليكشف أن نسبة زواج القاصرات بالمغرب سجل تراجعا خلال السنوات الأخيرة، مستدلا بأرقام تشير إلى أن الرقم انتقل من قرابة 39 ألف حالة زواج عام 2011 إلى ما يعادل 33 ألفا و489 حالة في العام 2014. الرميد، الذي كان يتحدث أمام مجلس المستشارين، قال إن أغلب القاصرات المتزوجات ينتمين إلى أسر تعاني من الهشاشة ومشاكل اقتصادية واجتماعية، مشددا على أن الرفع من المستوى الاقتصادي والاجتماعي للأسر، والرفع من مستوى وعي المواطنين، من الجوانب التي باستطاعتها حل هذه الإشكالية التي رأى أن "القانون والقضاء ليس بإمكانهما وحدهما حلها". تقارير صادمة في دراسة وطنية حول العنف الجنسي تجاه القاصرين بالمغرب، أنجزتها جمعية "أمان" لمكافحة العنف الجنسي ضد الأطفال، نبهت إلى أن ظاهرة زاوج القاصرات تسجل ارتفاعا ملموسا بالمملكة، وتبقى شكلا من أشكال العنف الجنسي، إذ تم إبرام أزيد من 35 ألف عقد زواج عام 2013، مقابل 18 ألفا و341 عقد سنة 2004. الدراسة التي أشرفت عليها لجنة ضمَّت مُمثلين عن وزارتي العدل والحريات والصحة، إلى جانب الإدارة العامة للأمن الوطني والمجلس الوطني لحقوق الإنسان و"يونيسيف"، شددت على أن تلك الأرقام لا تعبر عن الوضعية الحقيقية على أرض الواقع، على اعتبار أن الكثير من الزيجات لازالت تبرم بالفاتحة وتهم في بعض الأحيان فتيات أقل من 11 سنة. وفي بحثٍ ميداني أنجزه باحثون في مركز الدراسات والأبحاث حول الهجرة والحقوق الإنسانية، وطلبة من جامعتي الحسن الأول بسطات ومحمد الخامس بالرباط، تم كشف إقرار 79% من المستجوبين بأنّ زواج القاصرات مرتبط بدرجة أولى بالفقر، وينتشر بشكل أكبر في المناطق الهشة؛ فيما ربط 80% منهم الظاهرة بضعف التعليم وغياب الوعي بالحقوق. البحث الذي جاء في موضوع "زواج القاصرات بالمغرب..بين المطالب الحقوقية والواقع القانوني"، صرح خلاله 97،5% بأنّ هذا النوع من الزواج متواجد بدرجة أساسية في الوسط القروي؛ في حين يرى أكثر من 71% أنه محكوم بالفشل، فيما يؤكد 76.9% أنه يوفر قابلية أكثر للانحراف الأخلاقي لدى الزوجات اللواتي تعرضن للطلاق.