أنطلق في مقالي هذا من مثال مأثور لدى قدماء العرب، وهو "على أهلها جنت براقش". وبراقش هذه كلبة كانت قبيلتها قد تعرضت لغارة من إحدى القبائل الغازية، ولم تكن مستعدة للحرب، فقام أفرادها بالاختباء وراء الكثبان الرملية، فظنت القبيلة الغازية ألا أحد في المكان، وبينما كانوا يهمون بالرجوع من حيث أتوا، فجأة نبحت براقش، فانتبه القوم إلى وجود أناس مختبئين فأعملوا فيهم السيف وقطعوا رقابهم. إذن سبب نكسة القوم هو كلبتهم براقش. إن ما نشهده اليوم من انحلال وتفسخ للقيم في المجتمع المغربي ومن فوضى عارمة، سببه براقشنا نحن كمغاربة، وما براقشنا إلا بعض من يعرفون أنفسهم كذبا وبهتانا بالمدافعين عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة.. إن دعواتهم المتكررة إلى التحرر الجنسي، وسبحان الله، لا نرى نضالهم إلا عندما يتعلق الأمر بالجنس، حتى أسميتهم "مناضلو السرائر وما تحت السراويل"..دعواتهم تلك هي سبب ما نراه اليوم من اغتصابات وتحرشات، آخرها ما تعرضت له الفتاة في الحافلة بالدار البيضاء، وقبله أنثى الحمار الشهيرة في سيدي قاسم. أليسوا هم من يدافعون عن الشذوذ الجنسي علنا وجهرا؟ أليسوا هم أصحاب "صايتي حريتي"؟ أليسوا من يدعون إلى عدم تجريم العلاقات الجنسية "الرضائية"؟ وعدم تجريم الإجهاض؟. إذن كل دعواتكم تلك، بغض النظر عن الأجندات الأجنبية التي تحركها وتمولها، تتم قراءتها بشكل خاطئ في المجتمع المغربي. أين انخراطكم في مسلسل التوعية وحملات التحسيس والالتحام بالجماهير على مستوى الأحياء الشعبية وأحزمة الفقر؟ أين مناظراتكم وموائدكم المستديرة الممولة ببذخ وسخاء عندما يتعلق الأمر بمسائل خلافية كمساواة المرأة والرجل في الإرث والحق في الإجهاض وغيرهما؟. إن قطاعا كبيرا من الشعب بات يحمل دكاكين حقوق الإنسان، بالقدر ذاته الذي يحمل الأحزاب السياسية والحركات الإسلامية بكل تمظهراتها، والمدرسة... مسؤولية الفشل الاجتماعي والمجتمعي والأخلاقي الحاصل؛ فالكل منشغل بالمعارك الجانبية وبجنون عظمة التفوق وادعاء امتلاك الحقيقة وغياب التسامح بشكل تبادلي، وإلغاء المنطقية واستعمال العقل بشكل حر لا يتنافى مع الذوق العام. إن ما نحصده اليوم من جرائم سببها الشهوات والغرائز التي أطلقتم لها العنان بدون قيود، فأصبحت كحمئة الحيوان لا شيء يحدها ويقلل منها، دعواتكم هي الوقود الذي غذى الكبت. لقد طالبنا وطالب غيرنا بتفعيل عقوبة الإعدام ضد مغتصبي الأطفال، لكن في الوقت ذاته كنتم تطالبون بإلغاء تلك العقوبة نهائيا، فماذا كانت النتيجة؟ كل شهر تقريبا نسمع عن اغتصاب طفل أو طفلة من سنتين إلى خمس سنوات. لو تم تفعيل عقوبة الإعدام في حق مغتصبيهم لكانوا عبرة لآخرين لا أظنهم يجرؤون بعد ذلك على اقتراف تلك الجرائم البشعة في حق الطفولة. إن الهدف هنا زجري يردع المجرم قبل أن يرتكب جريمته حتى يرعوي وينزجر، لأنه لو ارتكبها فسوف يُعدم ويرمى بالرصاص. وأخيرا، فإن الفشل الأخلاقي كمحصلة للفشل المجتمعي أزعم أن مرده بالأساس إلى تمييع مفهوم الحرية الفردية، وغياب تأطير حقيقي للشباب المغربي عبر توعيته ومواكبته عن قرب، ليس بمجرد التنظير والكلام، بل بالنزول إلى الميدان والتحدث معهم وفهم مشاكلهم وحصرها ومحاولة إيجاد حلول علمية وواقعية لها، وهذا الدور منوط بالأساس بما يسمى المجتمع المدني، الذي بتنا لا نراه مترافعا إلا في قضايا تقسم المجتمع ولا تجمعه، بالإضافة إلى الأحزاب السياسية التي عراها الخطاب الملكي الأخير وكشف سوأتها، دون إغفال دور المدرسة والجامعة، وخصوصا ملحاحية تدريس الثقافة الجنسية لكلا الجنسين. ولو علمنا ما تزخر به الثقافة الإسلامية والتراث الفقهي الإسلامي في مجال الثقافة الجنسية لخجلنا من جهلنا ونحن في القرن 21. وعلى سبيل التذكير فالإمام جلال الدين السيوطي له كتاب قد يصدمك عنوانه "نواضر الأيك في معرفة النيك". وهناك كتب غيره تدل على أن من سبقونا كانوا أكثر تحضرا منا، وأن وصف الرجعيين لا ينطبق على أحد سوانا، فمن سبقوا كانوا متقدمين علينا بمراحل، غير أن تقدمهم لم يكن مبنيا على الإباحية، لذلك فهم متقدمون وليس تقدميين أو حداثيين. والفرق أن المتقدم يقدم نظريات ويكتب ويناظر، في حين أن ما يسمى اليوم التقدميين أو الحداثيين هم أكثر الناس ارتكاسية من حيث دعواتهم للعري على سبيل المثال، ونحن نعلم أن البشرية ابتدأت بالعري ثم في خضم تقدمها اكتشفت الملابس. فكيف يريدنا التقدميون أن نتراجع آلاف السنين إلى الوراء؟ ويلصقون بالمخالفين تهمة تعنيهم دون سواهم، ألا وهي الرجعية. *باحث في القانون والإعلام والنوع الاجتماعي