في شهر أبريل الماضي، شهد معبر باب سبتة ثلاث حالات وفاة في صفوف ممتهنات التهريب المعيشي جراء تعرضهن للدهس والرفس أثناء تهريبهن للسلع التي لا تخضع للرسوم الجمركية. ومنذ يومين، لقيت سيدتان مغربيتان مصرعهما، وأصيبت أربع أخريات، على مستوى معبر "تراخال" المؤدي إلى المدينة الخاضعة للسيادة الإسبانية. وبالرغم من أن العديد من الجمعيات الحقوقية والنسائية طالبت الحكومتين المغربية والإسبانية ب"ضرورة إيجاد حل عاجل وواقعي من أجل تقنين نقل البضائع في المعبر الحدودي وحفظ كرامة النساء العاملات به"، وهو الأمر نفسه الذي طالب به إلياس العماري، رئيس الجهة التي تحتضن التهريب المعيشي؛ فإن واقع الحال يؤكد أن الحكومة المغربية ما زالت تتفادى هذا الملف الذي يُثير حساسية مع الجارة الإسبانية، خصوصا في ظل صمت رسمي عن استمرار احتلال المدينة. ولا يقتصر التهريب المعيشي على حوادث الموت؛ بل أيضا على صورة المغرب في الخارج، إذ عادت وسائل الإعلام الدولية في نقلها للأحداث الأخيرة لوصف النساء الممتهنات للتهريب ب"البغلات"، في إشارة إلى ظهورهن المحملة بالأثقال كما الدواب. وتعتبر الجمعيات الحقوقية أن معبر باب سبتة يشكل "نقطة حدودية سوداء تهان فيه كرامة وحقوق الإنسان بشكل بشع وسط استمرار الممارسات المرتكبة في حق النساء حاملات البضائع المهربة، والتي تخالف جميع المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان". وفي هذا الصدد، حمّل محمد بنعيسى، رئيس مركز الشمال لحقوق الإنسان، مسؤولية ما يقع إلى الحكومة المغربية؛ لأنها "لم تعمل على إيجاد حلول جذرية وواقعية لمشكل الاكتظاظ والازدحام في معبر باب سبتة عموما، ووقف الانتهاكات والخروقات الحقوقية الممارسة بشكل يومي في حق ممتهنات التهريب". ويرى الناشط الحقوقي، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الحلول التي تطرح بين الفينة والأخرى "تبقى ترقيعية وتكرس الممارسات نفسها وتحسن فقط من شروط العبودية"، معتبرا أن المدخل الأساس لوضع حد لهذه الظاهرة هو إغلاق المعبر الحدودي والبحث عن حلول جذرية لتنمية المنطقة. وأوضح المتحدث أن "تهريب البضائع لم يعد يقتصر على عائلات تعيش من وراء ذلك كما كان في السابق، بل بشبكات التهريب المنظمة التي تشغل الآلاف من النساء بمقابل يومي، وبمساعدة رجال الأمن والجمارك الذين راكموا ثروات هائلة"، على حد تعبيره. وعن أسباب ارتفاع حوادث الدهس والوفيات في الأشهر الأخيرة، أشار محمد بنعيسى إلى أنه بعد إغلاق معبر "تراخال 1" جرى الاعتماد فقط على معبر "تراخال 2" الذي تختلف فيه طريقة تنظيم دخول النساء، لافتا إلى أن قدرته الاستيعابية غير كافية أمام الحديث عن 15 ألفا يوميا من النساء تعبر الممر الحدودي الذي يبلغ عرضه حوالي مترين وطوله 500 متر. وكان إلياس العماري، رئيس جهة طنجةتطوانالحسيمة التي تحتضن التهريب المعيشي، قد صرح بأنه سيقترح على الجهة التي يرأسها تنظيم مناظرة في القريب العاجل حول اقتصاد الحدود الوهمية، معتبراً ما يحصل في جهته "يُسائلنا جميعا، حكومة ومنتخبين، في ظل غياب إحصائيات رسمية حول عدد المستفيدين من تجارة السلع المهربة، إذ هناك من يتحدث عن الآلاف ممن تهان كرامتهم يوميا، نساء ورجالا، أطفالا وشيوخا"، يقول رئيس جهة طنجةتطوانالحسيمة الذي لمح في تدوينة سابقة حول الموضوع إلى أن المغرب يتغاضى عن المآسي التي تشهدها معابر الحدود سواء بسبتة أو مليلية لاعتبارات يجهلها الجميع.