عادت مجددا موجة التكفير، وتوزيع النعوت والأحكام المتطرفة باسم الدين، على لسان عدد من رموز التيار السلفي ممن يوصفون ب"المشايخ والدعاة"، حيث لم يسلم إعلاميون ونشطاء حقوقيون مغاربة من لسان بعضهم، هذه الأيام، بمبرر "الهجوم على الإسلام". الناشط السلفي عبد الحميد أبو النعيم، الملقب ب"أبو عبد الرحمن"، شن هجوما لاذعا لم يخلُ من كلمات نابية على صحافيين مغاربة ذكرهم بأسمائهم، ونشطاء حقوقيين منهم أحمد عصيد، واصفا إياهم ب"العلمانيين الكلاب والصهاينة" وأنهم "كفار ومرتدون الذين يتهجمون على الدين"، وفق تعبيره. ففي شريط مرئي ل"أبو النعيم"، تحت عنوان "ومات العالم الشيخ محمد زحل" مدته 17 دقيقة، خصص الناشط السلفي المثير للجدل بخطابه المتطرف والتكفيري، حيزا للرد على الدعوات المطالبة ب"مقاطعة عيد الأضحى" وب"المساواة بين المرأة والرجل في الإرث"، موزعا نعوتا قدحية في حق إعلاميين مغاربة تناولوا هذين الموضوعين؛ من قبيل "خنزير" و"زنديق" و"الكلب" و"الحمار". وبرر أبو النعيم هجومه مجددا بأنه "جهاد" و"الرد على الذين يتجرؤون على الشريعة"، مضيفا: "يجب إهانة الكلاب والخنازير لأنهم يستفزون الأمة ويجب أن نستفزهم.. هذا هو الجهاد: فضح هؤلاء المجرمين"، فيما دعا المسلمين إلى "جمع التوقيعات واللجوء إلى المحاكم وتنظيم المعارض والمؤتمرات"، باعتبارها "جهادا وأمراً"، ليختم شريطه بدعاء مثير "قبح الله سعيكم يا أعداء الله!". موقف السلفي نفسه انضاف إلى موقف آخر للناشط السلفي حسن الكتاني، الذي علق على حملة المطالبة ب"تعليق الاحتفال بعيد الأضحى تضامنا مع معتقلي حراك الريف"، بالقول: "من هذا الفقير الحقير الذي يستهزئ بسنة عيد الأضحى وسط أمة المغرب المسلمة؟!"، وهي التدوينة التي نشرها على حسابه بموقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي. وبالرغم من أن الكتاني سارع إلى نفي تكفيره لمن يدعو إلى عدم الاحتفال بالشعيرة الدينية تضامنا مع ساكنة الحسيمة، فإنه كتب أيضا: "من أراد إيقاف شعيرة العيد من أجل الريف فقد أبدع في دين الله ما ليس فيه"، وهو الموقف الذي أثار جدلا واسعا لدى نشطاء حقوقيين مغاربة. تطرف من الجهتين الدكتور إدريس الكنبوري، الباحث في الشأن الديني، اعتبر أن مطلب العقلانية في الخطاب بات أمرا ملحا في الوقت الراهن من جميع الأطراف "سواء العلمانيين أو الإسلاميين"، مضيفا: "لا يعقل أن تأتي مع كل مناسبة دينية موجة وحملة ضد الصيام أو عيد الأضحى والتي تطرح مشكلا لدى المسلمين وليس لدى الإسلاميين فقط". وقال الكنبوري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن رد فعل أي شخص عادي تجاه تلك المواقف "سيكون رفض ذلك الخطاب.. فلا يمكن تصور أن إقدام أقلية على التحامل على مناسبة دينية يحتفل بها %99 من ساكنة المغرب المسلمة وقائمة كعيد ديني منذ 15 قرنا"، ليشدد على أن العقلانية "تكون في احترام شعور مجتمع يحتفي وفق طقوس دينية تعمها الفرحة والاحتفال". وتعليقا على الردود المتطرفة من النشطاء الإسلاميين والتي تواجه المواقف المثيرة تجاه تلك المناسبات، قال الباحث المغربي في الشأن الديني إن هذه الردود تبقى أخطر من مواقف الأقلية العلمانية؛ "لأن تطرف هؤلاء لن يتبعه أحد، لكن حين يأتي داعية أو إسلامي فإن تطرف مواقفه سيتبعها المئات إن لم نقل الآلاف لأنه خطاب موجه إلى العامة، أما حديث عن عيد الأضحى مثلا فهو خطاب خاصة الخاصة". واعتبر الكنبوري أن من وصفهم ب"العلمانيين المتطرفين" في المغرب هم أقلية، على أن المسؤولية تبقى أخطر وأكبر على عاتق "من يتكلمون باسم الدين"، مشيرا إلى أن اللجوء إلى تكفير المخالفين في الرأي والفكر "تترتب عنه آثار شرعية واجتماعية وسياسية خطيرة"، وفق تعبيره.