في مسألة التعامل: اليسار مع الأصوليين * الملاحظة الأولى: إن طرح مقال الرفيق عبد الله الحريف للنقاش الآن وبدون تحيين (04/01/2003) يتضمن بعض التعسف (غير المقصود طبعا). فالتطورات التي عرفها المغرب منذ 2003 الى الآن تستدعي أخذها بعين الاعتبار في تحليلاتنا ومواقفنا وتقييماتنا. أ ليس التحليل العلمي هو التحليل الملموس للواقع الملموس؟ في جميع الأحوال، أتقدم بهذه الملاحظات المقتضبة الى الرفيق عبد الله، وإليه بالخصوص، انطلاقا من كونه مناضل صادق وصريح. * الملاحظة الثانية: يشير عنوان مقال الرفيق الحريف الى تعامل اليسار مع الأصوليين، لكن المقال يقصد فقط "تعامل القوى الديموقراطية الجذرية" (لم ترد كلمة "اليسار" في النص إطلاقا)، ويتحدث عنها كذات واحدة منسجمة، في الوقت الذي يشير الى أن "الحركة الأصولية ليست منسجمة بل تخترقها تيارات". ومعلوم أن القوى الديموقراطية الجذرية ليست بدورها منسجمة وتخترقها هي كذلك تيارات، وبالتالي فالدعوة الى الحوار مع الأصوليين يجب أن تأخذ بعين الاعتبار مواقف وتقديرات مختلف هذه التيارات. * الملاحظة الثالثة: يتحدث المقال عن "تعامل اليسار مع الأصوليين" دون أن يحدد مستويات هذا التعامل، إلا إذا كان المقصود هو الحوار فقط. علما أن تعامل اليسار مع الأصوليين ليس بالضرورة هو نفسه تعامل الأصوليين مع اليسار. فتعامل اليسار قد يكون محكوما بخلفيات ليست هي نفسها الخلفيات التي تؤطر تعامل الأصوليين مع اليسار. وقد تترتب عن هذا التعامل نتائج قد ترضي اليسار كما قد ترضي الأصوليين. وبالنظر الى عدم تكافؤ الفريقين، فالنتائج بدون شك لن ترضي اليسار. ولم يسبق أن أرضت أي تجربة "يسارية" سابقة. ومن يشكك في الأمر، فليسأل حزب تودة الإيراني.. * الملاحظة الرابعة: قال الرفيق الحريف "يصعب تصور حوار مثمر مع الحركة الأصولية". ونرى الآن عكس ذلك تماما، في إطار حركة 20 فبراير. فجماعة العدل والإحسان حاضرة ومنسجمة و"مثمرة". طبعا، لأن الأمر يهم تيارا أو تيارات معينة فقط، ضمن "القوى الديموقراطية الجذرية". لكن يستحيل هذا الحوار بالنسبة لتيارات أخرى إذا استحضرنا أن الأمر يتعلق بجماعة العدل والإحسان، وأن من بين شروط الحوار التي طرحها الرفيق الحريف نفسه "تقديم نقد ذاتي على التحالفات المشبوهة السابقة مع الإمبريالية والرجعية وعلى الجرائم المرتكبة في حق المناضلين السياسيين (عمر بنجلون) والطلبة القاعديين والارتكاز إلى النقاش والحوار في حل التناقضات مع القوى الأخرى وليس إلى العنف". فهل قدمت جماعة العدل والإحسان "نقدا ذاتيا" دون علمنا؟ (نعرف أن حالة عمر بنجلون لا تعني جماعة العدل والإحسان). وبالنسبة للشرط الثاني، أي "النضال من أجل إقامة نظام ديمقراطي عبر إقرار دستور ديمقراطي"، فأستطيع أن أجزم أن الجماعة غير معنية به بأي شكل من الأشكال. والرفيق الحريف يتفق معي هنا عندما سجل بجرأة وقوة سعي الحركة الأصولية الى "إقامة دولة تيوقراطية"، وأن توجهها "يخضع كل أوجه حياة المجتمع والفرد للمقدس أو بالأحرى يستعمل المقدس كأداة لفرض مشروع ماضوي رجعي مناهض للديمقراطية ولحقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة، مشروع يكرس خضوع شعبنا للإمبريالية والطبقات السائدة، ولو كان ذلك بدون وعي". وأقول للرفيق الحريف، مرة أخرى، إن الأمر يتم بوعي تام ومن باب الضرورة الدينية وعن سبق الإصرار (وربما بدون ترصد مادام الترحيب بها قائما). * الملاحظة الخامسة: يقول الرفيق الحريف: "لكن من الناحية العملية، لابد من إقامة حوار مع القوى الأصولية"، ويسوق بعض الاعتبارات التي دفعته الى هذه الخلاصة، أي "لا بد من إقامة حوار مع القوى الأصولية". إن هذه الخلاصة تساعدنا فقط على فهم التنسيق أو التحالف الحالي مع جماعة العدل والإحسان في إطار حركة 20 فبراير، لكنها غير مبررة انطلاقا من الاعتبارات التي أشار إليها الرفيق الحريف. إن عدم انسجام الحركة الأصولية واختراقها من طرف تيارات لن يجعل منها شيئا آخرا غير حركة أصولية، لأنها محكومة في جميع الأحوال بالضرورة الدينية وبالتزاماتها السياسية سواء مع النظام القائم أو مع الامبريالية (قد تكون الإجابة عند "الرفيقة" نادية ياسين). وقد عبر الرفيق الحريف عن ذلك بدقة عندما أشار الى "الجذور التاريخية للحركة الأصولية التي أنشأت أو استعملت عن وعي من طرف الإمبريالية، وخاصة الأمريكية، والرجعية ضد القوى الديمقراطية والتقدمية والاشتراكية والتي لازالت في أغلبيتها الساحقة، تعتبر أن التناقض الأساسي بموقع القوى العلمانية، وفي مقدمتها القوى الاشتراكية، وليس مع النظام المخزني والطبقات السائدة المسؤولة عن المآسي والتخلف المريع والتدهور المخيف الذي يرزح في ظله شعبنا". * الملاحظة السادسة: نعم الرفيق الحريف، إن "الوضع الدولي والمغربي يفرض على الحركة الأصولية أن تعمل مع القوى الأخرى وأن تبحث على تحالفات مع قوى طالما واجهتها في السابق. وهذا الوضع الضاغط (وبالخصوص انفضاح العدوانية الإمبريالية، وخاصة الأمريكية، ضد الشعوب، وبالخصوص في العالم العربي الغني بالنفط، وانكشاف تخاذل وتواطؤ الأنظمة التي تتستر وراء الدين، والسعودية أحسن مثال ) وحاجة القوى الأصولية إلى حلفاء" قد يفرض على الحركة الأصولية (الانتهازية) خوض "تجربة/معركة" الحوار أو التنسيق أو التحالف مع بعض تيارات القوى الديموقراطية الجذرية. لكن، هل من جانبنا يمكن أن ننسى جرائمها وتحايلها و"إكراهاتها" ونضع أيدينا في أيديها الملطخة بدماء رفاقنا، ودون حتى أن تقدم نقدا ذاتيا؟ * الملاحظة السابعة: قلتم الرفيق الحريف: "لماذا لا تسعى القوى الديموقراطية الجذرية عبر الصراع الإديولوجي المبدئي والحوار والنضال في الساحة، إلى تحويل القوى الأصولية التي ترفض العولمة، وإن من منطلقات "ثقافية" وحضارية و"دينية" إلى قوى رافضة للعولمة الرأسمالية كنظام اقتصادي – اجتماعي رأسمالي وإمبريالي يهددنا ليس فقط في هويتنا، بل أيضا وأساسا في أرزاقنا وفي أبسط شروط استمرارنا كبشر وكشعوب لها حقها في تقرير مصيرها؟". الرفيق الحريف: لا أريد أن أقول إن هذا الطموح هو نفس طموح القوى الإصلاحية التي تتوهم "التغيير" من داخل المؤسسات، وهو ما ترفضونه كنهج ديمقراطي. إن بعض تيارات القوى الديموقراطية الجذرية ستسعى "عبر الصراع الإيديولوجي المبدئي والنضال في الساحة" (وبدون حوار) الى تجاوز القوى الأصولية وحتى القوى الإصلاحية، بمختلف مشاربها وكل تياراتها، من أجل التغيير الجذري الذي يخدم قضية شعبنا المكافح. وانخراط كافة تيارات القوى الديموقراطية الجذرية في دينامية التغيير الجذري سيتيح، بالتأكيد، إمكانية التطور سواء لحركة 20 فبراير الفتية والمناضلة أو لحركة جماهير شعبنا المتواصلة، وعلى رأسها الانتفاضات الشعبية البطولية. * الملاحظة الثامنة: إن الحركة الأصولية، وبالضبط جماعة العدل والإحسان، تسعى الآن، وبدون شك، الى توفير شروط حضورها بالشارع (المظلة) واستعراض قوتها، وإن بشكل خفي، وسنكون أول ضحاياها عند خضوع النظام المغربي الى "التفاوض" تحت تأثير النهوض الشعبي من جهة أو ضغط الامبريالية من جهة أخرى. وأي تحول للحركة الأصولية، وتحت أي تأثير أو ضغط، لن يكون إلا لفائدة النظام القائم. * الملاحظة التاسعة: قلتم الرفيق الحريف إن من بين شروط الحوار "الاتفاق على أن أولويات النضال في بلادنا هي تكثيف كل الجهود للدفاع عن الأوضاع المعيشية للشعب المغربي والسعي إلى تحسينها ومواجهة المخططات الهادفة إلى الإجهاز على ما تبقى من حقوق ومكتسبات (مثلا مدونة الشغل وقانون الإضراب وخوصصة التعليم...)، فهل التزمت الحركة الأصولية، وأخص بالذكر جماعة العدل والإحسان، بهذا الاتفاق؟ ومتى؟ * الملاحظة العاشرة والأخيرة: الرفيق الحريف: يخوض الآن بسجن توشكا السيئ الذكر بالرشيدية ثلاثة معتقلين سياسيين إضرابا مفتوحا عن الطعام منذ يوم الأربعاء 10 غشت 2011، من أجل تحسين شروط اعتقالهم، فهل التفتت إليهم حركة 20 فبراير وجماعة العدل والإحسان، خاصة وتجاهل مطالبهم واستمرار نفس أوضاع اعتقالهم السيئة وسكوت وسائل الإعلام عن معاناتهم؟ ما هو، الرفيق الحريف، مآل تنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية، كآليات اشتغال للتواصل مع أوسع الجماهير الشعبية؟ وما هو موقف جماعة العدل الإحسان من معتقلي ما يسمى بالسلفية الجهادية؟