بعد تردد طويل، وتفكير في الاستقالة من مكة التي اختارها منفى اختياريا له، عقب إبعاده من مهامه كرئيس للحكومة، أعلن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، قراره العودة إلى الحياة السياسية والحزبية. وطمأن بنكيران، خلال الجلسة الافتتاحية للملتقى الوطني الثالث عشر لشبيبة العدالة والتنمية، مناصريه بأنه لن يغادر الحياة السياسية، قائلا: "مازلت حيا أرزق، وسأقوم بدوري، وإن كتب الله شيئا مما قد يصيب الناس أقول لكم: إني أرى فيكم مثلي أو أفضل مني، لأننا لسنا في مباراة لكرة القدم"، معتبرا أن "خدمة الوطن التي أقرها الملك له بعد إعفائه تعرف عليها من خلال وجوه المواطنين"، على حد قوله، وزاد: "لأني ذهبت مرفوع الرأس..ولا مشكلة إن أرادوا نكران كل هذا". فهل العودة الجديدة للأمين العام لحزب العدالة والتنمية إلى الحياة السياسية ستمنحه ولاية ثالثة على رأس "المصباح"؟ وأي تأثير لذلك على الوضع الداخلي لحزب العدالة والتنمية؟ هذا السؤال حملته هسبريس إلى الدكتور عثمان زياني، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، بجامعة فاس، والذي اعتبر أن "عودة بنكيران إلى الحزب بدون شك ستحمل معها الكثير من الإشكاليات والتساؤلات، خصوصا على مستوى مستقبل الحكومة". وقال زياني، في تصريح لهسبريس: "عودة بنكيران سيكون لها تأثير على مستقبل الحزب في قادم الأيام، وأيضا في ما يتعلق بالتماسك الداخلي. والأكيد أننا سنكون بصدد حزب برأسين"، وزاد موضحا: "سنجد رئيس الحكومة "العثماني"، ومن جهة أخرى الأمين العام "بنكيران"؛ وهو وضع قد يدخل الحزب في متاهات التسيير والتنسيق، ما قد تنتج عنه صراعات داخلية قد تزيد من منسوب الشرخ الداخلي". "هذا الوضع يمكن أن يستفيد منه الحزب من خلال نهج نوع من الازدواجية، وذلك باللعب على الحبلين؛ حبل التموقع في الحكومة من جهة، وتبني خطاب المعارضة من طرف بنكيران من جهة ثانية، ما سيقيه من كل الهزات، وسيجعله بمنأى عن خسارة رصيده الجماهيري وقاعدته الانتخابية"، يقول الباحث في العلوم السياسية، الذي أوضح أن "عودة بنكيران بهذه القوة السياسية تعتبر مؤشرا دالا على إمكانية عودته إلى قيادة الحزب لولاية ثالثة"، مبررا ذلك بالأوضاع الداخلية التي يعيشها الحزب، "سواء في إطار علاقته مع مختلف الفرقاء الحزبيين من داخل الأغلبية الحكومية، أو في إطار علاقته مع المعارضة، خصوصا حزب الأصالة والمعاصرة". وسجل المتحدث نفسه أنه "بالنظر إلى ما عاشه الحزب، ومازال يعيشه من ظروف عصيبة تبلورت منذ البلوكاج الحكومي الأخير، وتولي العثماني رئاسة الحكومة، هناك شعور بأن الحزب مستهدف إلى حد كبير، وهناك إستراتيجية مضادة تستهدف إضعافه في المشهد السياسي والحزبي"، مبرزا أن "رجل المرحلة ليس هو سعد الدين العثماني الذي رضخ لكل الشروط في تشكيل الحكومة، وحتى على مستوى طريقة اشتغاله وقيادته للحكومة"، وزاد: "هناك أيضا من يعتبر أن وهج الحزب ارتبط بفترة عبد الإله بنكيران، وهو من استطاع أن يقود الحزب وأن ينتصر على الخصوم". وأكد زياني أن "بنكيران هو من حافظ على التماسك الداخلي للحزب، وهو الرجل الذي يتقن فن المناورة السياسية بفضل قوة شخصيته وتأثير خطابته"، مضيفا: "ما يؤشر أيضا على إمكانية عودة بنكيران بروز ما يمكن أن نسميه بتحكمية نوازعه الذاتية التي تعبر عن أنه مازال لم يستسغ طريقة إبعاده عن تشكيل الحكومة"، موردا أن "عودته يمكن تكييفها على أنها محاولة لإعادة الاعتبار لشخصه، ورفض موته سياسيا الذي يعبر عنه من خلال خرجاته الأخيرة التي صوب من خلالها نيرانه في كل اتجاه". وخلص زياني في حديثه لهسبريس إلى أنه "إن لم يعد بنكيران إلى اعتلاء سدة الأمانة العامة، فإنه لن يتوانى عن لعب دور صمام الأمان بالنسبة للحزب"، مسجلا أنه "يحظى بمكانة رمزية داخل الحزب، ولن يتخلى عنه في ظل هذه الظروف التي يعيشها".