سياسة خارجية قوية حولت المغرب إلى قوة إقليمية ودولية في وضع دولي وإقليمي مضطرب لم تواكبه سياسة داخلية فاعلة وناجعة على أرض الواقع نظرا لعدم قدرة الفاعلين السياسيين على مواكبة أهم الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي عرفتها المملكة، مما أثر بشكل كبير على الواقع الاجتماعي وسرعة التنمية في العديد من المناطق، ما أدى على ظهور العديد من الاحتجاجات نظرا لانشغال الفاعلين السياسيين بصراعات هامشية تميزت بالشعبوية التي جعلت من اهتمامات المواطن آخر ما يفكرون فيه. وهذا ما يفرض، تماشيا مع مخرجات الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش، إعادة هيكلة المشهد السياسي المغربي عبر تفعيل الديمقراطية الداخلية وتداول النخب السياسية داخل الأحزاب السياسية وفق سياسة استعجالية تحتاج إلى تجاهل الذات وتغليب مصلحة الوطن والمواطن. وعلى اعتبار اختيار المغرب للتعددية الحزبية كخيار ديمقراطي لا محيد عنه منذ الاستقلال، فإنه من الطبيعي أن يكون للأحزاب السياسية دور فاعل في تداول السلطة وتأثير في الحياة اليومية للمواطن، مما يجعلها محل اهتمام وانتقاد من قبل الجميع، وهذا ما لوحظ بشكل كبير خلا العشرية الأخيرة؛ حيث تتعرض لوابل من الانتقادات شملت طريقة اشتغالها وعلاقتها اليومية بالمواطن ونوعية تمثيليتها في المؤسسات الدستورية من حكومة وبرلمان؛ حيث تطغى الزبونية وعلاقات القرابة والعائلة في ظل تراجع مهول للاعتماد على الكفاءة الحزبية التي راكمت العديد من التجارب الميدانية والإدارية، لكنها عانت من التهميش واستبعادها عن مراكز القرار كخطوة لتبخيس العمل الحزبي من قبل جهات ولوبيات ضاغطة تحاول الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والمالية عبر دعم قيادات فاسدة على حساب قيادات شابة ذات تكوين علمي وميداني عال، مما جعل أغلبية هذه الكفاءات تنفر العمل والممارسة الحزبية تاركة الساحة فارغة أمام العائلات الحزبية التي حولت مجموعة من الأحزاب إلى مقاولات ريعية مسجلة في السجل العقاري باسمها. ما العمل؟ تصحيح الوضعية في ظل ضغط وانتقادات ملك البلاد والمواطنين وضغط الزمن ربما يحتاج إلى عصا موسى عليه السلام، أو إلى البقرة التي أحيا بها الموتى، لكن لن نكون متشائمين إلى هذه الدرجة؟ وذلك لوجود أمل كبير بوجود طاقات من الشباب من داخل العديد من الأحزاب قادرة على تفعيل مخرجات الخطاب الملكي في شقه المتعلق بإصلاح المنظومة الحزبية المغربية، وتنزيلها على أرض الواقع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر ثورة من الداخل أو إنشاء بدائل حزبية إن تعذر عليها الإصلاح من الداخل، كما حصل في دول كإسبانيا وفرنسا مع حركتي "بوديموس" و"فرنسا إلى الأمام" رغم صعوبة المقارنة في ظل وجود تعفنات في المشهد السياسي المغربي يصعب علاجها نظرا للعزوف الكبير للشباب عن الممارسة الحزبية ووجود لوبيات اقتصادية ومالية وإدارية تحارب كل من يسعى إلى تغيير الوضعية الحالية التي تستفيد منها. وبالتالي، فإننا في حاجة إلى جيل شبابي صبور وطموح، له غيرة على الوطن والمواطن، قادر على تحدي كل العراقيل التي وضعت وتوضع أمامه للحيلولة دون أي تقدم ديمقراطي حقيقي للبلاد. التغيير في نظرنا المتواضع لا يمكن أن يتم بالأشخاص أنفسهم وبالوسائل الصدئة والمتقادمة ذاتها التي ساهمت في إيصال بلادنا إلى هذه الوضعية السياسية الداخلية المتأزمة. وبالتالي، فإن أي نية للتغيير الفعلي والعملي الحقيقي تحتاج إلى وسائل وأشخاص جدد، مع التطعيم بترسانة قانونية وتفعيل مبدأ المسؤولية والمحاسبة والشفافية وإعطاء السلطة القضائية مزيدا من الاستقلالية.