دعا باحثون شاركوا في ندوة فكرية دولية حول معركة وادي المخازن، نظمتها كل من المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير وعمالة إقليمالعرائش والجماعة الترابية السواكن، الخميس بالقصر الكبير، إلى نزع "الطابع الحربي" عن معركة وادي المخازن، التي كانت نقطة نهاية الإمبراطورية البرتغالية. مصطفى الكثيري، المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، قال، في الكلمة الافتتاحية للندوة التي شارك فيها باحثان من البرتغال وإسبانيا، إنّ معركة وادي المخازن، التي جرت عام 1578 ميلادية، "تُعدّ درسا للحاضر يفرض نفسه على المستوى الوطني والدولي، للدعوة إلى البناء والعيش المشترك". وأضاف المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير أنّ المعركة التي أرغم السلطان عبد المالك السعدي على خوضها، بعد أن رفض ملك البرتغال، آنذاك، سيباستيان، الاستجابة لرسالة حثه فيها السلطان المغربي عن العدول عن فكرة غزو المغرب داخليا، يجب أن تكون مناسبة لنبذ الأفكار المتعصبة أو تمجيد تلك الداعية منها إلى العنف والغلو والتطرف". واعتبر المتحدث أنّ حضور باحثين من إسبانيا والبرتغال، اللتين كان المغرب خاضعا لاحتلالهما، في الندوة المنظمة بمناسبة تخليد الذكرى ال439 لمعركة وادي المخازن "يشكل فرصة سانحة لنقطع مع الأساليب القديمة في التفكير والتناول، ونفتح بابا جديدا ومضمارا واسعا لتلاقح الأفكار والإنصات للآخر والاقتراب منه لفهم هواجسه والنظر في طروحاته ومواقفه". من جهته، تحدث محمد أخريف، الباحث والمؤرخ المعروف بمدينة القصر الكبير، عن الجوانب الحضارية في معركة وادي المخازن، مشيرا في مستهلّ عرضه إلى أنّ المغرب الذي كان يئنّ وقتئذ تحت وطأة جملة من المشاكل العويصة، كالأوبئة والجوع والحرب الأهلية، لم يكن راغبا في حرب خوض الحرب مع الجيش البرتغالي بل فُرض عليه ذلك بعد أن هاجمه البرتغاليون. واستدلّ أخريف بالرسالة التي وجّهها السلطان عبد المالك السعدي إلى الإمبراطور البرتغالي الدون سيباستيان، داعيا فيها إياه إلى عدم التمادي في الخطة التي رسمها لغزو المغرب داخليا، واقترح عليه العودة إلى قضاة البرتغال للتّحكيم واتباع رأيهم؛ غير أن الإمبراطور البرتغالي تمادى في مخططه، وشنّ حربا على المغرب، اعتبرها عبد المالك السعدي في رسالته "حربا ظالمة". رسالة السلطان المغربي إلى إمبراطور البرتغال، تؤكّد، حسب أخريف، أنّه لم يكن هناك صراع بين الدولتين المغربية والبرتغالية، قبل اندلاع معركة وادي المخازن؛ "بل كانت هناك علاقة تواصل وجنوح إلى السلم". هذا الجنوح إلى السلم من لدن المغرب، يُردف المتحدث، تؤكده طريقة تعامله مع الإمبراطور البرتغالي بعد أن لقي حتفه في معركة وادي المخازن، حيث جرى تحنيطه بالجير ونُقل إلى القصر الكبير، قبل أن يُسلّم إلى البرتغال. مظهر آخر من الجوانب الحضارية في معركة وادي المخازن، التي رصدها الباحث والمؤرخ المغربي، تجلّت في طريقة تعامل المغاربة مع الأسرى الذي أسرهم الجنود المغاربة، حيث أقام السلطان أحمد المنصور الذهبي، الذي خلف السلطان عبد المالك السعدي بعد وفاته، مارستان (مستشفى)، لعلاج الأسرى، وأطلق عليه النصارى اسم "مارستان الرحمة". ولتوفير العلاج لأسرى "العدو"، أوقف السلطان المغربي مجموعة من الأوقاف للإنفاق على المارستان. وقال أخريف في هذا الإطار إن الأسرى الذين قُدِر عددهم بألفي أسير، لم يكونوا ليفكروا في العودة إلى بلدانهم، لو أنهم اطمأنوا على عُمُر السلطان المغربي، نظرا لما لقوه من عناية، مضيفا "تقول بعض الكتابات إن المغاربة عُتاة يفتكون بأعدائهم، وهذا صحيح، ولكن هذا ليس من صفاتنا، إنما نقتل ويشتدّ بأسنا دفاعا عن وطننا". من جهة أخرى، تحدث كمال النفاع، وهو باحث في التاريخ المعاصر، عن الإصلاح العسكري بالمغرب بعد معركة وادي المخازن، حيث بدأ هذا الإصلاح بتدابير على مستوى الحرس الشخصي للسلطان أحمد المنصور الذهبي، إذ توزّع الحرس على ست فرق، تنهض كل فرقة بمهمّة خاصة، كما تمّ تنويع البنية البشرية للجيش المغربي، بضمّ جنود أتراك وأندلسيين والعلوج... واعتبر النفاع أنّ السلطان أحمد المنصور الذهبي جهّز الجيش المغربي بأحدث التجهيزات العسكرية المتوفرة زمانئذ، إذ جرى إنشاء مصنع للسلاح سُمي "دار العُدة"، في كل من تارودانت وفاس ومراكش، التي كانت عاصمة الطولة السعدية، وأوكل مهمّة صنع السلاح إلى العلوج والأوروبيين، وإلى حد ما الأتراك، نظرا لافتقار المغرب لخبراء في مجال صناعة الأسلحة. سعي السلطان أحمد المنصور الذهبي إلى تطوير صناعة الأسلحة بالمغرب لم يكن فقط بهدف تقوية قدرات الجيش المغربي؛ "بل إن رغبة المخزن في احتكار الصناعة العسكرية كان، أيضا، بهدف الحيلولة دون انتقالها إلى عامة المغاربة" حتى لا يُوجّه ضده السلاح"، يقول الباحث في التاريخ المعاصر، مشيرا إلى أنّ الجيش المغربي مَلَك صناعة عسكرية تضاهي نظيرتها الأوروبية، وقتذاك، لأن الخبراء الأوروبيين كانوا يأتون بأحدث ما توصلوا إليه، نظرا للأموال التي كان يغدقها عليهم السلطان المغربي.