في فحص دستورية النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية تقضي أحكام الفصل 132 من الدستور لاسيما الفقرة الثانية منها والمادة 22 من القانون التنظيمي رقم 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية في فقرتها الثانية بوجوب إحالة الأنظمة الداخلية للمجالس المنظمة بموجب قوانين تنظيمية إلى المحكمة الدستورية للبت في مطابقتها للدستور. وهو نفس المقتضى الذي تضمنته أحكام المادة 49 من القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والتي جاء فيها بأن المجلس قبل شروعه في تطبيق النظام الداخلي، يتعين عليه أن يحيله إلى المحكمة الدستورية للبت في مدى مطابقته لأحكام الدستور ولمقتضيات القانون التنظيمي المذكور أعلاه والقانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة. ومن خلال المقتضيات القانونية المشار إليها أعلاه، يتضح جليا أن نطاق اختصاص المحكمة الدستورية وهي تبت في الأنظمة الداخلية ينحصر في التحقق من مطابقتها للمضامين الدستورية ولأحكام القوانين التنظيمية ذات الصلة سواء من الناحية الشكلية أو الجوهرية، وذلك في إطار الرقابة الوجوبية القبلية المخولة لها دستورا وقانونا. وهو ما قرره المجلس الدستوري بموجب قراره رقم 15/954 المؤرخ في 2 مارس 2015. ومن خلال ما سبق، يتضح أن رقابة المحكمة الدستورية للنظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية هي رقابة ذات طبيعة مزدوجة : فهي من جهة، تنصرف إلى النظر في مدى مطابقة النظام الداخلي لأحكام الدستور. (محض دستورية النظام الداخلي). ومن جهة ثانية، فهي تنظر في مدى مطابقة النظام الداخلي لمقتضيات القانونين التنظيميين للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وللنظام الأساسي للقضاة. ولأجل ذلك نقول بأن الوجه الأول للرقابة هو ذو طبيعة رقابية دستورية جوهرية يهدف في عمقه إلى النظر في مدى تطابق النظام الداخلي للمقتضيات الدستورية : وذلك تكريسا لمبدأ ما يعرف «بدستورية القوانين»: والذي تتجسد وظيفته في التحقق من مطابقة النظام الداخلي للدستور في إطار الرقابة السياسية الهادفة إلى تحقيق العدالة الدستورية. أما الوجه الثاني للرقابة، فهو ذو طبيعة رقابية تنظيمية إجرائية يرنو في كنهه إلى النظر في مدى ملائمة مقتضيات النظام الداخلي للقانونين التنظيميين للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وللنظام الأساسي للقضاة. ولأجله، قيل بأن هذه الرقابة الأساسية هي بالأساس رقابة تنظيمية، تمارسها المحكمة الدستورية على النظام الداخلي قبل إصدار الأمر بتنفيذه والعمل بمقتضياته. ومما تجدر الإشارة إليه، أن اختصاص المحكمة الدستورية في هذا المجال هو اختصاص تنظيمي يهدف بالدرجة الأولى إلى التأكد من مدى مطابقة النظام الداخلي للمقتضيات التي كانت موضوع إحالة في القوانين التنظيمية. وبذلك فإن اختصاصها في هذه الحالة يمتد ليس إلى مجرد المراقبة الدستورية، وإنما كذلك إلى مدى استيفاء النظام الداخلي للقواعد الإجرائية ذات الصلة بالقوانين التنظيمية. وعلاقة بما ذكر، فإن المحكمة الدستورية وهي تنظر في النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أكدت بأن الإجراءات التي تهم وضع وتعديل النظام الداخلي تعد قواعد شكلية جوهرية، يتعين الإحاطة بما ضمن مواده، وذلك استثناءا من القواعد العامة المتعلقة بسير المجلس كما هي محددة في المادتين 58 و59 من القانون التنظيمي رقم 100.13 والتي لا تطبق بمناسبة وضع النظام الداخلي أو تعديله. وأن عدم تضمين هذه القواعد بالنظام الداخلي يجعل مطابقة هذا الأخير للدستور وللقانونين أمرا متعذرا. وعلى هذا الأساس : يحق لنا أن نتسائل : هل كانت المحكمة الدستورية موفقة فيما انتهت إليه، أم أنها أخطأت في تقديرها وتفسيرها أو على الأقل فيما انتهت إليه في منطوقها؟ بمراجعة المادة 22 من القانون التنظيمي المنظم للمحكمة الدستورية، يبدو جليا أن هذه الأخيرة وهي تبت في الأنظمة الداخلية تكون ملزمة للنظر فيها من زاوية مدى مطابقتها للدستور سواء بصفة كلية أو جزئية. بينما وهي تنظر في النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، فإنها تنظره من زاوية مطابقته للدستور وللقانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وللقانون التنظيمي للنظام الأساسي للقضاة كما سبق بيانه وذلك تنزيلا لأحكام المادة 59 من القانون رقم 100.13 . ومن ثمة، فإن اختصاص المحكمة الدستورية في هذا المجال يتعين أن لا يزيغ عن "المطابقة للدستور وللقوانين التنظيمية" سواء في شقها الإجرائي أو الموضوعي. وهو ما انتهت إليه المحكمة الدستورية في قرارها موضوع التعليق في الشق المتعلق بالإجراءات المتبعة لإقرار النظام الداخلي . غير أن المتتبع لحيثيات القرار المذكور، يسجل أن المحكمة الدستورية وسعت من نطاق اختصاصها وانتقلت من مجرد فحص الدستورية إلى مناقشة ومراقبة مضامين الأنظمة الداخلية، والتذكير بالإغفالات الإجرائية التي طالتها . وهي بذلك تكون قد خرجت عن نطاق اختصاصها المحدد في المادتين 22 و 26 من القانون التنظيمي رقم 066.13 والذي يتحدد في مدى مطابقة النظام الداخلي للدستور وللقوانين التنظيمية ذات الصلة. الأمر الذي جعل قرار المحكمة الدستورية مشوبا بعيب عدم الاختصاص ، لا سيما وأنها مارست رقابة مباشرة على اختصاص المجلس الأعلى للسلطة القضائية في مجال التشريع. ومن جانب آخر، فإن إشارة القرار موضوع التعليق إلى كون المادة 72 من النظام الداخلي لم تحدد ضوابط وضع وتعديل النظام الداخلي، يحمل في ثناياه مصادرة لاختصاص المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي منحه القانون التنظيمي رقم 100.13 أن يشرع ويضع نظامه الداخلي دون رقابة بعدية إلا من حيث المطابقة للدستور وللقوانين التنظيمية. وغني عن البيان أن عدم تضمين الإجراءات المذكورة بالنظام الداخلي لا يعني بالضرورة إغفالها ، بقدر ما هو مجرد عدم الإفصاح عنها . ما دام أن المجلس الأعلى حينما وضع نظامه الداخلي، فإنه احتكم إلى مجموعة من الإجراءات التي تم إقرارها ليس لمجرد إعمالها خلال مرحلة الوضع، ولكن للاحتكام إليها كذلك خلال التعديل ولو بصفة ضمنية. هذا فضلا على أن الإقرار للمحكمة الدستورية بمراقبة إجراءات وضع وتعديل النظام الداخلي يقتضي وجوبا أن تكون هذه الإجراءات منظمة في القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والذي اكتفى فقط بالإشارة إليها ضمن مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 49 ، دون أن يحيط بأحكامها . وبذلك تكون سلطة الفحص والمراقبة التي مارستها المحكمة الدستورية قد انصرفت إلى إجراءات معدومة وغير قائمة. ومن جانب آخر ، فإن المحكمة الدستورية قضت بموجب القرار موضوع التعليق أن إسناد القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية تحديد الإجراءات التي يتعين اتباعها في الوضع والتعديل للنظام الداخلي، يجعل هذه الإجراءات مستثناة من القواعد العامة المتعلقة بسير المجلس المحدد في المادة 58 و 59 من القانون التنظيمي رقم 100.13 . وهو ما جعل المحكمة الدستورية تقوم بدور تفسيري للقوانين التنظيمية والذي لا يستقيم مع دورها في فحص دستورية الأنظمة الداخلية ومن غير تأويل للمقتضيات المرتبطة بها. ومن جهة ثانية ، لا بد من التذكير بأن المحكمة الدستورية طبقا للمادة 26 من القانون التنظيمي المتعلق بها ملزمة للبت في مطابقة القوانين التنظيمية والقوانين والأنظمة الداخلية للدستور داخل أجل ثلاثين يوما ( 30) يوما يحتسب ابتداءا من تاريخ إحالتها إليها ، أو في غضون ثمانية ( 8) أيام في حالة الاستعجال بطلب من الحكومة. والملاحظ في هذا الصدد أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية أحال النظام الداخلي على المحكمة الدستورية بتاريخ 5 يوليوز 2017. وقضت هذه الأخيرة قبل حلول الأجل القانوني المنصوص عليه في المادة 26 أعلاه بتعذر البت على الحال في مطابقة النظام الداخلي للدستور وللقوانين التنظيمية ذات الصلة. وهو ما يشكل مخالفة واضحة لأحكام المادة 26 التي حددت أجل الشهر للبت في مسألة المطابقة ، وليس في مسألة من المسائل الإجرائية والشكلية. وبصرف النظر عن صوابية هذا الرأي من عدمه، فإن احترام المقتضيات القانونية لا سيما المادة 26 يقتضي لزوما البت في مسألة المطابقة قبل حلول 07/08/2017، وهو مايبدو مستحيلا من الناحية الواقعية ما لم يتم حمل ما قضت به المحكمة الدستورية بأنه استنفاذ للولاية الدستورية على مراقبة دستورية النظام داخلي. ومن جهة ثانية، فإنه بالاطلاع على منطوق قرار المحكمة الدستورية ، يتبين أنه قضى بنشر القرار القاضي بتعذر أو إيقاف البت في الجريدة الرسمية. وهو إجراء لا يستقيم ومضمون المادتين 26 و 27 من القانون التنظيمي رقم 13-066 الذي حدد موجبات النشر في القرارات النهائية القاضية بالمطابقة أو عدم المطابقة. أما غيرها من القرارات كالقرار القاضي بتعذر البت في المطابقة فهي لا تحتاج إلى نشر بالجريدة الرسمية ، لأن نشرها يحمل – برفع الياء - على دلالة المطابقة أو عدم المطابقة بحسب الحالات، وذلك من منطلق أن النشر بالجريدة الرسمية شرع في الأصل من أجل التحصين والنفاذ. تساؤلات واستفهامات حاولنا طرحها للنقاش العلمي والعمومي ، وذلك مساهمة منا في إثارة الانتباه إلى بعض الإشكالات العملية التي تهم حسن سير العدالة الدستورية أمام المحكمة الدستورية وهي تمارس الاختصاصات المسندة إليها بمقتضى الوثيقة الدستورية والقوانين التنظيمية ، وتصدر بشأنها قرارات نهائية غير قابلة لأي طعن أو مراقبة، وملزمة لكل السلطات العمومية والجهات الإدارية والقضائية. *دكتور في الحقوق