في قلْب حيّ سيدي موسى الشعبي بمدينة سلا، يوجد سوق "نموذجي" اختار له الذين أنشؤوه اسم "سوق النور"، لكنَّه لا يحمل من هذا الوصف إلا الاسم، نظرا لكونه غارقا في "ظلمات" الاختلالات التي شابتْ عمليّة الاستفادة من الدكاكين، كما صرّح لنا بذلك عدد من التجار المستفيدين، وأيضا نظرا للوضع المزري الذي توجد عليه مرافقه، سواء في ما يتعلق بالتنظيم، أو ما يخصّ جانب النظافة، كما عاينت ذلك هسبريس. ما أنْ يلجَ المرْءُ "سوق النور" حتى يتناهى إلى أنفه خليط من الروائح الكريهة، مصدرُها النفايات المتراكمة. وكلما غاص المرء في السوق أكثر، تفاقمت قوة الروائح الكريهة، خاصة عند الجدار الفاصل بين السوق والشارع على اليمين. في هذا المكان توجد بِرْكة من المياه الآسنة ذات لون أسود، انبثق ماؤها من قناة للصرف الصحي تخترق أرضية السوق، ولم يتمّ إصلاحها رغم إخبار المسؤولين من طرف التجار. جوارَ هذه البِرْكة الآسنة التي تستنشق أنوف التجار والمتسوّقين روائحها الكريهة، توجد دكاكينُ لبيْع لحم الدجاج، والخضر، وموادَّ غذائية أخرى، رغم أن المكان يعجّ بشتى أنواع البكتيريا. يقول تاجر بغضب: "حْنا ما فْهمناش كيفاش هاد الناس (يقصد المسؤولين)، دايْرينْ لاگارات ديال الواد الحار وسْط السوق، كانْ عْليهم يديروها على برّا، وهادي مدّة وحْنا مْهلوكين بالخنز، وعيينا ما نشكيو، وما كايْنش اللي مْسوّق لينا". اختلالاتُ "سوق النور" بحيّ سيدي موسى بسلا لا تقتصر فقط على الجانب المتعلق بالنظافة، بل تتعدّاه إلى ما هو أبعد من ذلك. داخل هذا السوق ثمّة أماكنُ للبيْع تختلف مساحاتها؛ فهناك أشخاص استفادوا من أماكنِ بيع ذات مساحة كبيرة، فيما كان نصيبُ آخرين مساحاتٍ صغيرةً جدا، وسببُ هذا التفاوت، كما صرّح لنا بذلك مجموعة من التجار، هو أنّ عملية التفويت شابتْها المحسوبية والزبونية. يقول تاجر: "الناس اللي استافدو من بقع كبيرة، عندهم جدّاتهم فالعرس"، وأوضح محمد وهيب، فاعل جمعوي بحي سيدي موسى، وهو يشير إلى مجموعة من أماكن البيع ذات المساحة الواسعة، "الناس اللي خداو هاد البلايْص (يذكُر أسماء عدد منهم)، كانوا في جمعية أنشئت قبل تفويت أماكن البيع والدكاكين، عوضْ ما ياخْدو جوج ميترو بحال كاع الناس، خداوْ الضّوبْل"، مضيفا: "هذا السوق أُهدرتْ فيه أموال طائلة". في "سوق النور" النموذجي ثمّة دكاكينُ كثيرة أغلقها أصحابُها، وأماكن بيع مهجورة، بعدما ارتأى الباعة المتجولون المستفيدون منها العودة إلى الشارع حيث كانوا لممارسة تجارتهم في الهواء الطلق، أمّا المستفيدون عن طريق "بّاكْ صاحبي"، كما يصفهم التجار، فمنهم من باع المحل الذي استفاد منه بسبعة ملايين، وفق ما قال لنا محمد وهيب وأكّده تجار آخرون. إنشاء السوق سالف الذكر كان بهدف إيواء الباعة المتجوّلين الذين كانوا يمارسون تجارتهم في شارع النصر بحي سيدي موسى، لكنّه لم يحقّق هذه الغاية، إذْ سُرعان ما عادَ الباعة المتجوّلون إلى احتلال الشارع عن آخره، بأرصفته وقارعته، وباتَ أشبهَ بسوق أسبوعي يعجّ بالفوضى، ولم يتركْ مُحتلّوه سوى ممرّين صغيريْن يعبر منهما المتسوقون والمارة، أما السيارات فقد صارَ عبورها من هذا الشارع من سابع المستحيلات. قُبالة "سوق النور"، يوجد مسجد، لم تُسْتثْنَ أبوابه بدورها من احتلال الباعة المتجوّلين، وغيرَ بعيد، في الجهة المقابلة، توجدُ مدرسة خاصة تعودُ مِلكيتّها إلى رئيس الحكومة السابق، عبد الإله بنكيران. المدرسة لم تفتح أبوابها بعد، ويعتقد محمد وهيب أنَّ فتْح مدرسة بنكيران لأبوابها "سيدفع إلى اجتثاث الباعة المتجولين من الشارع"، وحين قلنا له إنّ بنكيران لم تعد له سلطة، ردّ: "المجلس الجماعي ديال سلا ديالهم، وملي كيبغيو إديرو شي إنزال كيجمعو كلشي"، وأضاف: "هذا السوق النموذجي هو أكبر عملية نصب في حي سيدي موسى".