في "الحقيقة الضائعة" بعموده الاعتيادي بالصفحة الأخيرة من جريدة "الأسبوع الصحفي"، كتب مصطفى العلوى صاحب المنبر ذاته مقالا تحليليا مهما حمّل فيه مسؤولية "اغتيال الصحافة الوطنية" إلى من وصفها ب"الإمبراطورية ( .. ) منذ أن قرر أصحاب هذه الأخيرة "ربط مؤسسة التوزيع "سابريس" الإمبراطورية المالية الحاكمة" التي اشترت أسهمها من "مديري الصحف الوطنية". وهذا ما جعل عميد الصحافيين المغاربة في خاطرة بعنوان "اغتيال الصحافة الوطنية بعد المؤامرة الكبرى لتعرية المغرب من الأحزاب" يرى أن توزيع الجرائد يصبح "بين أصابع مخطط الأسلوب الجديد في توجيه الصحافة" الذي لم "يخبرنا عنه بالاسم تنويرا لنا وللرأي العام وقبل ذلك لنساء ورجال مهنة المتاعب لأخذ الحيطة والحذر في بلد ما زالت صحافته تطرح أسئلة البدايات، وتتلمس خطواتها في محراب صاحبة الجلالة مقارنة مع بلدان السلطة رابعة المستقلة لا تكون تابعة وذيلية كما كنا ذات زمان مشرق، ننعت بها الجمعيات التابعة لأحزاب سياسية. وأوضح مدير "أخبار الدنيا" والصحافي في "العهد الجديد" النسخة المغربية لجريدة "السعادة" أيام الحماية، في "الحقيقة الضائعة" نفسها، أن "مخطط الاسلوب الجديد" ابتدع أسلوبا مرنا "يمكن أصحاب الوقت" ما أقصده الزمن الراهن وليس شيئا آخر يحيل على "سنوات الرصاص والرقابة القبلية والبعدية "التي اكتوى بجمرها أيضا الأستاذ مصطفى العلوي الذي يعد أكثر الصحافيين المغاربة تعرضا للمحاكمات. ونقصد العلوي مؤسس الصحافة المستقلة، وليس "مولاي" الذي اعتاد زملاؤه في الصحف الورقية قبل "زمن الأنترنيت والشات.." أن يصفوه ويمكن ظلما ب"مسقط الطائرات"، بالرغم من أنه كثير الرحلات الجوية من عهد إلى آخر "والله يزيدو في بلاد الخير والنماء"، وبخطاب جديد في "مرحلة الانتقال الديمقراطي" أصبح لسانه يلهج ويعلو بمصطلحات اليسار في عهده الزاهر من قبيل "المجتمع الديمقراطي الحداثي"، وتلك قصص أخرى من قصص إعلامنا العمومي، تتطلب منا مستقبلا أكثر من وقفة وتحليل رزينين. نترك الزميل والصديق إعلامي العهدين القديم والجديد، ونعود إلى "الشريف مولاي مصطفى العلوي صاحب القلم السيال والكلام الفياض واللسان الطويل في خدمة الأغلبية الصامتة" حسب ما جاء في تقديم إهداء بخط يد الدكتور عبد الكريم الخطيب لكتاب مذكراته إلى مؤسس ومدير "الأسبوع" الذي سجل في حقيقته الضائعة متاهات "الواقع المزرى" في "بلد انعدمت فيه المهرجانات، باستثناء موازين، وانعدمت فيه حتى مباريات كرة القدم ، فأحرى المهرجانات، المسرحية والموسيقية التي اندثرت ليبقى المجال مفتوحا للحركات الاحتجاجات والمحاكمات والكوميساريات والمبررات لفضح مشاكل المغرب"، وهذا ما كتبه صاحب كتاب "الملك المظلوم" والذى جعل محتضن وراعي "العدالة والتنمية" في سنتها الأولى سياسة علنية في "الحب الممنوع"، في التقديم نفسه الذي نشره في أسفل الصفحة، تضرع إلى الله تعالى أن يطيل لسان الشريف "دفاعا عن المظلومين والحق المبين". وبعدما ناشد "الصحفي والملوك الثلاثة" قراء وقارئات ليس الفنجان في رائعة نزار قباني والعندليب الأسمر وإنما "الصحافة الوطنية، التي نقف عليها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة" في 2017، بعد أن أصبح عدد مبيعات الصحف برمتها لا تتعدى 100 ألف يوميا الرقم المعهود للأسبوع والتي نزلت بدورها إلى أقل من حاجز 40 ألف نسخة فقط، لربما بسبب ما اعتبره يندرج ضمن "مخطط مرسوم لقتل الصحف وحجبها عن عيون القراء" وليس المبحرين في عوالم النيت على حواسبهم ولوحاتهم وهواتفهم الذكية. فبالإضافة إلى "المسكينة" شركة التوزيع "سابريس " أطال الله في عمر مؤسسها ورئيسها السابق الأستاذ الصحافي الصديق محمد برادة ومديرو الصحف الوطنية والتي لا يدرى القارئ لدى قراءته "للحقيقة الضائعة" هل المقصود هي "العلم" الزعيم علال الفاسي الذي كان يعتبر حرية الصحافة شيئا مقدسا ويعلى صوته الجهوري خاصة في المهرجانات الشعبية وأمام أول برلمان مغربي سنة 1963 بأن الصحافة هي ضمير الأمة أو صحيفة "التحرير" التي كان رئيس تحريرها عبد الرحمان اليوسفي الذي خط عنوانا زمن الكتابة والطبع ب"حروف الرصاص" بالسكون على الصاد، وليس إحالة على "سنوات الرصاص والجمر"، كلفت الوزير الأول ب"حكومة التناوب التوافقي" كلمات أربع مضمونها "الحكومة مسؤولة أمام الرأي العام"، الاعتقال والاستنطاق في مخافر "الحجاج" على الرغم من أن الجريدة كانت لسان حزب رئيس الحكومة. وأيضا هل هي الصحافة الوطنية التي يعنى بها صاحب "الأغلبية الصامتة" في سبعينيات "الأحذية الغليظة عشاق (تسياح) الدم"، كان الصمت فيها حقا يولد ذهبا وفضة وووو إلى آخر الكلام المباح.. كما تقول الحكمة المأثورة "الصمت من ذهب"، أو "المحرر" التي كان مديرها الشهيد عمر بنجلون، الرجل الذي وهب حياته في دفاعه المستميت بقلمه "السيال والفياض" وفكره في سبيل قيم الديمقراطية والعدل والحداثة؟ أم أولئك الذين أصبحوا مع مجيء فكر وسلوك "العنكبوت الخليجي" مع الاعتذار للشاعر محمد الأشعري، إلى محيطنا الأطلسي خاصة العاصمة الاقتصادية التي "لا تلين ولا تتكلس"، أم "الأمة الإفريقية" التي كان مديرها إدريس الفلاح الذي كان مصيره السجن ومصادرة جريدته للأبد عقابا له على الكلمة ألقيت في مهرجان لحزب الاستقلال، أو صحافة بداية "الانفتاح والتناوب المجهض، وإعدام صحف واعتقال صحافيين" وآخرين ظلوا متابعين في إطار سراح على الرغم كونهم لم يساندوا في كتاباتهم لا "عبدة الشيطان" ولم "يعبروا في صمت" من لقبوا ب"أمراء الدم" بعد سنوات "القاعدة" وقبل " الدواعش" في وقت لاحق. إنها مجرد خواطر المساء وليس "خواطر صباح" الكبير عبد الله العروي، وأسئلة قد تسعفنا على فهم واقع وراهن صحافة "من ورق" في مرحلة "موت سريري بطئ"، لكنه في الحقيقة "موت غير معلن" لا يعود سببه فقط إلى "نظرية المؤامرة" التي زفها لنا الأستاذ العلوي من جديد وهو على حق لأنه ما زال مع الأسف بعض الإعلاميين "يبررون فشلهم، وساديتهم" أحيانا على بعضهم البعض بها مع العلم أن "المؤامرة" كانت الأسلوب الذي اهتدت إليه الأنظمة الشمولية المتحللة، كذريعة اهتدت إليها لتصفية المعارضين لسياستها؛ وفي مقدمتهم نساء ورجال مهنة المتاعب. من هذا المنطلق، نرى أن تراجع الصحافة الورقية مرده في حقيقة الأمر إلى عدة عوامل "المؤامرة" و"الإمبراطورية والأوجيدى وعفاريت زعيم البيجيدي.. "ليس لربما إلا قناعا نتخفى وراءه للتستر عن فشلنا، فهناك عوامل متداخلة، تتطلب منا عدم الاكتفاء بالنظر إلى نصف الكأس الممتلئ، ولكن أيضا للنصف الآخر الفارغ، أي هناك أسباب فيها الذاتي والموضوعي أيضا وكلاهما يحتاجان إلى معالجة. فالذاتي يتمثل في فشل هذه الجزء الكبير من صحافتنا في المحافظة على أهم الشروط، التغيير في إطار الاستمرارية وعنوانها الأبرز صيانة تقدير القراء وتشجيع الجرأة الصحافيين وليس الإثارة، والبحث عن الحقيقة، وممارسة وظائف السلطة المضادة مع الالتزام بمبادئ أخلاقيات المهنة أيضا، وذلك حتى تضمن الصحافة نفاذها السلس إلى عقول وأفئدة القراء؛ وهو ما سيؤهلها إلى الاستقرار في وجدان الرأي العام والذى يظل رهينا بالتشبث بقيم المصداقية والنزاهة والمهنية والاستقلالية خاصة عن جماعات الضغط من لوبيات سياسية واقتصادية ومالية. أما الأسباب الموضوعية للانحسار الكبير في عدد مبيعات الصحف الورقية بالمغرب، فإنه كما هو الشأن في سائر بلدان المعمور بغض النظر عن مستوى تقدمها، مرتبط أساسا ببروز "البدائل الإلكترونية"، وهو ما جعل البعض يدعو الصحافة إلى الإسراع ب"التخلص من عقلية الورق" حتى تبقى كمهنة وليس كشكل، لكي لا تصبح "صناعة انتهت"؛ بل أكثر من ذلك هناك من ذهب الى حد "إطلاق رصاصة الرحمة" على الصحافة الورقية التي تعيش حاليا "قصة موت لم يعلن بعد"، كما جاء في رواية بالعنوان ذاته للروائي والصحفي الكبير لوركا غارسيا ماركيز. غير أن باب الأمل لا يزال مفتوحا أمام الصحافة الورقية المدعوة إلى "البحث عن "خلطة" تناسب ميولات القراء، إذ إن ربح الرهان يتطلب الإقرار بأن وسائل إعلام اليوم ليس هي وسائل بالأمس، ولن تكون حتما هي نفسها وسائل إعلام الغد، وهو ما يتطلب من الصحافة الوطنية أن تتعامل مع هذه المستجدات التكنولوجية والمتغيرات في توجهات الرأي العام، بواقعية ومهنية، من خلال استيعاب الجوانب الشكلية التقنية حتى تظل صحافتنا الوطنية دوما "ضمير الأمة" كما كان يقول علال الفاسي الذي جمع في تعامله مع المسألة الإعلامية مزايا صرامة العالم وحنكة السياسي وعمق المفكر وجرأة الصحافي. فالصحافة "ضمير الأمة" كانت ترمز ويقابلها مفهوم الرأي العام الذي كانت بلدان ديمقراطية عريقة تضعه ضمن رهاناتها؛ فالإعلامي لا يهرب من المعركة ويلجأ إلى الاحتماء بنظرية المؤامرة بل يواجه بسلاح الإعلامي، حقيقة أن صحافتنا "الوطنية"، إما أن تبحث عن انتعاشة جديدة عبر التحديث لتحقيق "انبعاث بشكل جديد" أو تظل رهينة اللهاث وراء مسكنات الدعم الحكومي وهي تعاني من موت سريري سيجعلها تظل رهينة "قصة موت غير معلن" ليس بسبب "مؤامرة الأجهزة غير المرئية، وليس لرئيس التحرير الواحد" لغالبية الصحف، يكون بمقدورها، وبحرفية الصحافيين أن تنتقل من "مفترق الطرق" إلى أخذ زمام المبادرة، في خضم واقع متحرك بفضل الثورة التكنولوجية، ولا مكان فيه لأسئلة قديمة تطرح على مستقبل الصحافة، الذي لا يصنعه إلا من سيكون جزءا منه، أي كما تقول حكمة صينية "إذا أردت أن تسأل عن المستقبل، فاذهب إلى طفل في الخامسة واطرح عليه هذا السؤال"، وأضيف مثلا صينيا شهيرا آخر حفظه جيلنا مفاده: "عوض أن تلعن الظلام أوقد شمعة". *كاتب صحافي، باحث في مجال الإعلام والاتصال