قد تند الإحساسات وتشرد عن طريقها المعتاد، ومما لاشك فيه أن سلك هذا الاختيار يثير الانتباه، ويستدعي التتبع حتى يمكن تلمس الدوافع التي كانت سببا في اعتناق هذا التوجه، الذي قد يكون سلوكا غير سوي يدفع بصاحبه إلى اتخاذ قرارات تضر بالنفس وبالمجتمع. إن الدافع الأساس لكتابة هذه الأسطر، هو ما نشاهده ونلحظه في سلوك بعض المتعلمين، حينما يخفقون في الامتحانات وخصوصا الإشهادية منها، فترى طائفة منهم وكأنهم غير مكثرتين بالرسوب والفشل، وترى آخرين يتبجحون بأنهم ينتمون إلى الطائفة التي لا حظ لها في هذا المجتمع ... مما يدفع بهم إلى نهج طرق غير سليمة ويتحلون بصفات ليست صحية بتاتا، قد تزج بهم في عالم الإدمان والانحراف، مع العلم أن المتعلم وحده لا يتحمل تبعات الرسوب وعدم التفوق بل إن هناك سيلا من الأسباب التي أسهمت بشكل أوبآخر، في إحراز تلك النتيجة غير المرضية. والواقع يشهد على أن هناك منظومات ثلاث لها يد طولى في عدم النجاح: الدولة التي تهتم بتسطير الأهداف الكبرى والمرامي والغايات والنظر في البرامج والمناهج...، الأسرة التعليمية والأطر المصاحبة لنشاط المتعلم وسيرورة تعلمه، و في الأخير المنظومة الأسرية التي كان لها الأثر البالغ في تنشئة المتعلم. وما تباهي المتعلم برسوبه إلا رفض ضمني لخلل وقع في إحدى تلك المنظومات الثلاث، ومن الإنصاف أن يتحمل كل طرف مسؤوليته، فذلك التصرف هو بمثابة فرض حصار واقي من تهكم الأسرة والأصدقاء والمجتمع ككل، إذ غالبا ما ينظر إلى الرسوب وكأنه صاعقة حلت بين القوم، مما ينتج عنه تأثيرات نفسية بليغة على المتعلم الراسب، فيحاول ما أمكن أن يجد وسيلة تقيه شر الاتهامات العقيمة. ومعلوم أن المدرسة المغربية لها مستويين: مستوى التربية الذي نطمح من خلاله تخريج وتنشئة جيل قادر على الانصهار في المجتمع، ومواجهة الوضعيات المختلفة مع تشبعه بقيم التسامح، والانفتاح، والإنتاج، وأخذ القرار... المستوى المعرفي حيث لا بد لخريج المدرسة من اكتساب المعرفة التي بفضلها تتكرس شخصية المتعلم لتكون فاعلة داخل المجتمع. إن المسؤولين عن الشأن التعليمي ينبغي أن يتوقفوا "للإصلاح" عندما يشعرون بمؤشرات قبلية، تشعر بأن المتعلم هو في حاجة إلى تعديل وتصحيح تعثراته، وإلا فنحن نعلم أن كثيرا من الناجحين ينتقلون على أساس الدفع بهم إلى الأقسام الموالية، وإن كانوا لا تصل بهم المعدلات إلى الانتقال، توجسا من " التراكم البشري" داخل الأقسام. وهذا الخلل يبقى لصيقا بالمتعلم طيلة مساره الدراسي، والسبب هم أهل الشأن التعليمي، والأسرة التي لا هم لها إلا نجاح ابنها. ومن المعلوم أيضا أن المتعلم لابد وأن تتوفر فيه خاصيتان غالبا ما يتم تجاهلهما وهما البنية السليمة، والآليات. البنية السليمة: ويدخل تحتها النضج ونمو المتعلم النفسي والحركي والوجداني الطبيعي. الآليات: وتتمثل في قدرة المتعلم على الاستيعاب والفهم والتفاعل مع المدرس والمحتوى والأفراد داخل الفصل. وبإيجاز، فإن عدم اعتبار واحدة من هاتين الخاصيتين يوقع بالمتعلم في عدم الانخراط في العملية التعليمية التعلمية، مما قد يكون سببا في فشله، ومن تم يرفع راية التمرد وعدم الرضى التي تكون دفينة في نفسه، لكنه أمام الملأ يحاول أن يتباهى برسوبه، وما ذلك إلا ترجمة حرفية لفشل المنظومة ككل. * متخصص في تدريس العلوم الشرعية