تشكل "حامة" سيدي حرازم، الواقعة على بعد كيلومترات قليلة شرق مدينة فاس، ملجأ لساكنة العاصمة العلمية خلال فصل الصيف، خاصة الفقراء منها، حيث تتحول إلى محج يأتيه الزوار من كل حدب وصوب، مستقلين حافلات النقل العمومي وسيارات الأجرة، وحتى الدراجات النارية ثلاثية العجلات. حرارة فاس تنعش الإقبال يتميز منتجع سيدي حرازم بتوفره على مسبح عمومي مستدير الشكل، يتم تزويده بالماء الطبيعي الدافئ الذي يخرج من باطن الأرض؛ كما يتميز بتوفره على حدائق ساحرة تزينها أشجار النخيل الباسقة؛ فضلا عن توفر "سقايات" عمومية مياهها العلاجية موضوعة رهن إشارة الزوار، يشربونها بالمكان أو يعبئون منها قنيناتهم التي يحملونها في طريق عودتهم إلى منازلهم. وإذا كان عدد من الزوار يقصدون منتجع سيدي حرازم رغبة منهم في الاستفادة من مياهه المعدنية، فإن الكثير منهم، خاصة سكان مدينة فاس، يقصدونه هروبا من قيض مدينتهم وللترويح عن أنفسهم بمصاريف أقل من تلك التي يتطلبها الرحيل إلى المدن الشاطئية أو الجبلية، كمدينة إفران. وينعش الإقبال على سيدي حرازم صيفا اقتصاد "الحامة"، سواء بمحيطها أو بدوار السخينات المجاور، الذي يستغل سكانه الفرصة لتحويل منازلهم إلى غرف للكراء لفائدة الزوار بأثمان متفاوتة، لكنها تبقى في متناول كل الطبقات الاجتماعية، إذ لا تتعدى السومة الكرائية للغرفة أحيانا 50 درهما لليلة الواحدة. الوجهة: سيدي حرازم تعد محطة باب الفتوح نقطة انطلاق زوار سيدي حرازم انطلاقا من مدينة فاس، حيث تتنافس سيارات الأجرة والحافلات و"الخطافة" والدراجات ثلاثية العجلات على استقطاب المسافرين إلى "الحامة"، فتجد أصحابها ينادون بأعلى صوتهم: "سيدي حرازم ..سيدي حرازم"، ليتجمهر الراغبون في قصد الوجهة حولهم مستفسرين عن سعر الرحلة. وما يثير الانتباه بمحطة باب الفتوح أن أغلب المتوجهين نحو "حامة" سيدي حرازم غالبا ما يقصدونها في مجموعات، عائلات أو أصدقاء، كما أنهم يكونون محملين بقنينات فارغة، يحملونها معهم قصد ملئها بماء سيدي حرازم ذي الفوائد العلاجية. وما إن يصل المرء إلى منتجع سيدي حرازم حتى يفاجأ بالعدد الكثيف للزوار الذين يملؤون كل حدائق المكان وساحاته، والكثير منهم نصبوا خيامهم المصنوعة من الأغطية وافترشوا الحصائر؛ في حين تنهمك النسوة في إعداد الوجبات الغذائية بركن من الخيمة. وبينما يفضل الكثير من الزوار قضاء يومهم داخل الخيمة وتحت ظلال الأشجار، يختار الشباب قضاء يومهم بمسبح سيدي حرازم، حيث المياه العذبة تنسي الزائر لهب مدينة فاس الذي لا يحتمل. الزوار ينعشون اقتصاد سيدي حرازم يساهم الإقبال الكبير على "حامة" سيدي حرازم في إنعاش التجارة ومختلف المهن الموسمية بالمنتجع وبدوار السخينات المجاور، حيث يرتفع الإقبال على مختلف المواد الاستهلاكية، خاصة الغذائية؛ كما يزداد الطلب على غرف ودور الكراء. ومن المهن الموسمية التي تنتعش ب"حامة" سيدي حرازم، خلال الصيف، مخضبات و"نقاشات" الحناء اللواتي يلوحن بأيديهن ب"كطالوغ" يحمل صورا لنقوش من الحناء يقترحن نقلها إلى أيدي زبونات "الحامة" مقابل مبلغ مالي يناهز 20 درهما. "في عطلة الصيف أستغل المناسبة لكي أعرض هذه الخدمة على الزبناء..أقوم بنقش الحناء للنساء والطفلات، هنا بالحامة"، تقول فتيحة، وهي طالبة جامعية، في حديث مع هسبريس، مضيفة أنها تأتي إلى المنتجع كل صباح من دوار السخينات لتزاول هذه المهنة، ومبرزة أن "نقاشات" سيدي حرازم يتقن تخضيب الحناء، ويتجنبن خلطها بالمواد الكيماوية المضرة بالجلد، مثل مادة "الدوليو"، مؤكدة أن المواد المستعملة في حنائها كلها طبيعية خالصة. وإلى جانب "نقشات الحناء" تنتعش ب"حامة" سيدي حرازم ظاهرة الوساطة في كراء منازل وغرف المبيت، وهو نشاط لا يقتصر على الرجال، بل تمارسه حتى النساء اللواتي تجدهن يلوحن بالمفاتيح قرب محطات وسائل النقل، وكذا مواقف السيارات، حيث يبادرن إلى اقتراح خدمتهن على كل زائر جديد يفد على المنتجع، محاولات إقناعه بجودة الغرفة والسعر والخدمات.