بعد الضربة الموجعة التي تلقاها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، المعروف اختصارا ب"داعش"، في مدينة الموصل، أحد أبرز معاقله، وتناسل الأنباء عن مقتل زعيمه أبي بكر البغدادي، باتت الأنظار موجهة أكثر إلى مئات المقاتلين المغاربة الموجودين في بؤر التوتر، والذين قد يشكل اندحار "داعش" بالنسبة إليهم فرصة مواتية للعودة إلى المغرب، مع ما يرافق ذلك من تهديدات على أمن المملكة واستقرارها. تحرير مدينة الموصل العراقية من المتطرفين، المدينة التي اعتبرت بمثابة "مهد" الخلافة الإسلامية المزعومة بعد أن ألقى منها البغدادي خطبته الشهيرة والوحيدة لإعلان قيام "دولة الخلافة"، حدث فارق بالنسبة إلى عبد الحق الخيام، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، الذي بسط في تصريح خاص لهسبريس إستراتيجية المكتب الذي يرأسه منذ أزيد من سنتين لمواجهة هذا الخطر الداهم. أحدث الإحصائيات وكشف الخيام أن أحدث إحصائيات يتوفر عليها "البسيج" تفيد بأن 1664 مقاتلا مغربيا موجودون بكل من سورياوالعراق؛ من بينهم 929 مقاتلا في صفوف "داعش"، و100 ضمن مقاتلي حركة "شام الإسلام"، وما يزيد عن 50 مقاتلا ب"جبهة النصرة" التي غيّرت اسمها إلى "فتح الشام"، فيما يتوزع بقية هؤلاء المقاتلين على عدد من الميليشيات الأخرى المتبقية. وبالإضافة إلى هؤلاء، هناك 213 مقاتلا في المجموع عادوا إلى أرض الوطن، مقابل 596 قتلوا في مختلف بؤر التوتر. وعن المغاربة الذين سقطوا في معارك "داعش" ضد قوى التحالف الدولي بمدينة الموصل، قال المسؤول الأمني البارز في المملكة إن المعلومات المتوفرة لدى المكتب تشير إلى أن مقاتلين مغاربة كثر سقطوا في هذه العملية، مضيفا في السياق ذاته: "ليس لدينا، إلى حد الساعة، العدد المضبوط للمغاربة الذين قتلوا أو فروا من العراق؛ إلا أننا ننسق مع المصالح الاستخباراتية الدولية لتحديد الصورة الحقيقية عن أعداد المقتولين والفارين". وصرّح الخيام بأن القوات الأمنية والاستخباراتية ضاعفت مجهوداتها بعد سقوط "داعش" في الموصل والرقة السورية وكذا ليبيا، قبل أن يضيف أن "حدود المغرب شاسعة؛ وهو ما يجعل جميع المصالح الأمنية، بما فيها المديرية العامة للأمن الوطني ومديرية مراقبة التراب الوطني والقوات المسلحة الملكية والدرك الملكي والقوات المساعدة ومصالح الجمارك والبحرية الملكية، مجندة لمراقبة كل ما يمر عبر الحدود البرية أو البحرية"، ثم عاد إلى التأكيد على أن "كل هذه القوات في حالة استنفار، ليس الآن فقط، بل منذ فترة سابقة". نقطة سوداء وفي ظل الوضع الحالي، شدد الخيام على أن "هناك تنسيقا مع جميع الأجهزة الاستخباراتية في الدول الأوروبية والأمريكية والإفريقية وحتى الآسيوية لمعرفة أعداد المغاربة الذين سقطوا في العراق"، لافتا الانتباه إلى أن "الخطر يمتد للعودة المفترضة لمقاتلين من جنسيات أخرى إلى المغرب". وعن وجود مقاتلين أجانب من أصول مغربية، التحقوا بتنظيم "داعش" عن طريق دول غربية، ولا تزال تربطهم علاقة مع المغرب، أورد المتحدث ذاته أن "البسيج" يهمه "التوصل إلى معلومات عن هؤلاء الذين ذهبوا من هولاندا وفرنسا وبلجيكا وغيرها من الدول، وليس فقط المقاتلين المغاربة الذين التحقوا ببؤر التوتر من داخل أرض الوطن". "لا ننسى أن المغرب مهدد بنقطة سوداء هي تندوف، التي تشكل خطرا على المنطقة ككل، وغياب التنسيق الأمني بيننا وبين الجزائر، بل دعم هذه الأخيرة للعناصر الانفصالية المعروفة بعلاقاتها مع الشبكات الإرهابية والإجرامية، يشكل خطرا كبيرا يتطلب تشديد المراقبة"، يسجّل الخيام، الذي وصف الإجراءات بالمنطقة بأنها "تفوق حالة الاستنفار". وفي انتظار العودة المفترضة لهؤلاء المقاتلين المغاربة بالعراق إلى للمملكة، أفاد الخيام بأن إجراءات تنتظرهم، وعلى رأسها القانون 86/14 (القاضي بتغيير وتتميم بعض أحكام مجموعة القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية المتعلقة بمكافحة الإرهاب)، مبرزا بهذا الخصوص أن "المغرب استبق مرحلة ما بعد "داعش" واعتمد القانون 86/14 الذي يجرم الالتحاق أو محاولة الالتحاق أو العودة من بؤر التوتر، ويتضمن عقوبات مشددة قد تصل إلى 20 سنة سجنا". وتابع بالقول: "أي شخص من هؤلاء المقاتلين العائدين هو مهدد بالمتابعة بفصول هذا القانون، بعد مرحلة البحث من لدن المكتب المركزي للأبحاث القضائية، والإحالة على النيابة العامة". بنك معلومات وفي إطار سياسة الاستباق التي اعتمدها المغرب في هذا المجال، يقوم "البسيج"، استنادا إلى تصريحات الخيام، بتفكيك الخلايا الإرهابية، ومن خلال المتورطين فيها يمكن معرفة معطيات عن الأشخاص الذين تركوا أرض الوطن للقتال في صفوف هذه التنظيمات المتطرفة، أو على استعداد لمغادرة المغرب في اتجاه هذه المناطق المتوترة. بالإضافة إلى ذلك، "هناك بعض الحالات التي تقدم فيها الأسر معطيات عن أفرادها المتغيبين، ومن ثمة نقوم بجمع المعطيات عن هؤلاء لمعرفة ما إذا كانوا قد اختاروا طريق القتال في صفوف هذه التنظيمات، أم أن الأمر يتعلق بظواهر أخرى كالهجرة السرية". وزاد الخيام في التوضيح: "مصالحنا وعناصر البسيج والديستي، في إطار جمع المعلومات عن المشتبه فيهم داخل المملكة، تقوم بالأدوار اللازمة، وتتم دراسة وتحليل هذه المعلومات وتتبعها حالة بحالة، وفي الاجتماعات التنسيقية التي تتم بين مصالح البسيج والمصالح الخارجية يتم تبادل المعطيات عن الأشخاص الذين يوجدون بالفعل في الرقة أو ليبيا أو جنوبالجزائر وغيرها، وبهذه الطريقة نحين بنك معلوماتنا الخاص بالأشخاص الحاملين للفكر المتطرف والإيديولوجيا المتشددة". وبعد المداد الكثير الذي أساله خبر سقوط "دولة الخلافة" في مدينة الموصل، واندحارها في عدد من المناطق الأخرى، سجّل الخيام أن "من يعتبر سقوط الدولة الإسلامية سببا كافيا لقطع دابر الإرهاب في العالم فهو مخطئ؛ ففي السابق، وجدت منظمة القاعدة، وبوفاة عرّابها أسامة بلادن، لم ينته التنظيم، على اعتبار أن فروعا منه لا تزال نشيطة في جنوبالجزائر وفي أفغانستان وباكستان واليمن". وخلص المسؤول الأمني إلى أن انتهاء "داعش" في الموصل أو الرقة أو حتى ليبيا "لا يعني نهاية الإيديولوجيا المتطرفة".