كان أن شغلني سؤال وهو: في ظروف درب مولاي الشريف، هل يستطيع إنسان أن يكتم سرا ؟ وبعد جولتين أو ثلاث من التعذيب تأكد لي أنه من الممكن إذا استطاع أن يكون أقوى من " العصبة" (الكرافاش) التي يستعملها الجلاد، لكن " العصبة" أصلب من الإنسان لأنها تظل " عصبة" وآلة لإحداث الألم..ومع ذلك فالسر يمكن الاحتفاظ به لأن الجلاد لا يعرف أنك تعرفه فإذا صمد المرء في الوهلة الأولى فإنه ينال من الجلاد لأنه أضعف من العصبة الماسك بها، ومع قليل من المزيد من الصبر والصمود يزداد ضعف الجلاد وهكذا يمكن للمرء أن يكون أقوى من " العصبة «، لكن هذا الأمر لا يتحقق في كل مرة وعلى الدوام رغم حضور الرغبة في ذلك. عندما كان الجلادون يحتاجون أحد ضيوف الدرب للتحقيق، يأتي " الديب"، وهو رئيس " الحجاج" يقترب من الشخص المطلوب ويركله قائلا:" نوض اتكعد أنت". وكان ينادي بعض الضيوف بأرقامهم والبعض الآخر بألقاب...أما أنا فكان يناديني ب " ولد الفرملية ". استيقظت على صوت " الديب " جاء لتقديمي قربانا للجلادين. أول حصة كانت مع الضابط جسوس، تعرفت عليه من صوته للوهلة الأولى، لكن محققين آخرين انضموا إليه، وأحسست أن جسوس كان أقل رتبة منهم نظرا للعبارات التي كان يستعملها في حديثه معهم وكثرة صيغ الاحترام وترديد عبارة " نعم آسي"..لاسيما وأنني فهمت أنهم قالوا له إن القنيطرة لم تعرف كيف تتصرف لأن أصحابها لا يفهمون شيئا في التعامل مع أناس مثلي، وأنني ورفاقي القادمين من القنيطرة، " ضحكنا" عليهم إذ أنه لم يتم انتزاع المعلومات المطلوبة..ثم غادروا المكان ولم أعد أشعر بأي أثر لهم... قال لي " جسوس": أتعرف أين أنت ؟ كلا ؟ أجيب، ثم أضاف: أنت إما تنتجو بجلدك وإما أنك ستلقى وبالا، الأمر بين يديك، وبدأ الحديث الطويل العريض عن الشيوعية وماركس ولينين وماو وغيفارا، ثم حشر أشخاص وبدأت الأسئلة تنبعث من كل صوب عن أسماء ومواعيد ومحلات ولقاءات وتواريخ..كل مرة يصفعني أحدهم على وجهي، ودام الحال على نفس المنوال أكثر من ساعتين بحسب تقديري، والسؤال الذي كان يتردد بكثرة هو: هل تريد أن تتكلم أم لا؟.. إننا نعرف كل شيء، ونعلم علاقتك بمنظمة " إلا الأمام" وعلاقتك باليهودي..الأحسن لك أن تعترف.. ويقول آخر: إذا كنت ناويا الصمود يجب أن تعلم أن الصمود في هذا المكان يعني الخلود في العمود. وقبل أن أنطق بكلمة بدأت الجولة الأولى من الضرب والرفس..كنت جالسا على كرسي وكان الجلادون حولي...كنت في متناول أيديهم.. أصحابك قالوا كل شيء وما عليك إلا التأكيد.