قضيت الليلة الأولى بمخفر الشرطة بالخميسات، بزنزانة ضيقة مظلمة ومبتلة على الدوام من جراء جريان صنبور معطل. في اليوم الموالي صباحا شاهدت من كوة باب الزنزانة أحد الجلادين، قصير القامة ذميم الوجه، ملامحه لا تبعث على الارتياح بتاتا، آتيا بحقيبتين...حبال. يلقي بمحتواهما على الأرض..حبال .أسلاك. ...قماش وسياط " العصبة " في ساحة المخفر على مرأى عيون ثلة من البشر، ضيوف كوميسارية الخميسات ذلك اليوم...أخرجوني من الزنزانة وأوقفوني في الصف الأول لمعاينة المنظر المرهب عندما هم الجلاد بمناداة أول ضحاياه. صفعة وركلة..." لا تريد أن تتكلم ...سوف ترى...آنذاك حضر أحد المفتشين...شاب أنيق..أظن أنه المنصوري حارس مرمى الاتحاد الزموري للخميسات آنذاك..اقترب مني قائلا للجلاد:" هذا لا، ارجعوه إلى السيلون ". وتابعت مشهد التعذيب من كوة باب الزنزانة الحديدي السميك...إنه كان آنذاك مشهدا يوميا لفرقة الاستنطاق بكوميسارية الخميسات. كانت خطة للترهيب والتخويف لا يفلت منها أحد، ما عدا القليل، أصحاب التدخلات والتدويرات. ما زالت عبارات الجلاد، قصير القامة ذميم الوجه، لاصقة بذاكرتي بالحرف الواحد:" الحفلة غادي تبدا..من الأحسن لي عندوا ما يقول خصوا يقولو وإلا غادي يرجع عندي باش نكرمو مزيان.." ...في حدود الساعة العاشرة من ذلك اليوم المشؤوم حضر أحد الضباط واقترب من الزنزانة وأمر الشرطي بفتح الباب...كبل يدي بالأصفاد ووضع عصابة سوداء على عيني وقادني إلى مكان لا أعلمه..إلى ذلك الحين يمكن وصف المعاملة التي عوملت بها بالقسوة والإهانة والدوس على الكرامة والسب السخيف وليس بالتعذيب رغم بعض الصفعات والدفعات هنا وهناك. علاوة على عصابة العينين ألبسوني جلبابا فضفاضا فأحكموا قبه" على رأسي ثم أودعوني بالمقعد الخلفي لسيارة بين شخصين ، فانطلقت مسرعة لا أعرف إلى أين؟ بدأت تراودني أسئلة كثيرة. كيف وصلوا إلي ؟ عبر رفاق القنيطرة أو رفاق الرباط أو رفاق الدارالبيضاء ؟..وإلى أين أنا منقاد؟ ....هل هو اعتقال أم اختطاف ؟