وسَط زقاق يعجُّ بالمارة، يسير شاب مشرّد رفقة أربعة كلاب.. تمر سيّدة رفقة ابنتها الصغيرة، فيقصدها أحدُ الكلاب الأربعة؛ تقفز الطفلة من مكانها، وتطلق صرخة مدويّة، بينما يمضي الشاب المشرد رفقة "قطيعه" من الكلاب غيرَ مكترث ولا مُبال. هذا المشهدُ لم يجْر في سوق أسبوعي ببلْدة هامشية، بل في حي العكاري، وسط العاصمة الرباط. في هذا الحي، الذي تسوده فوضى عارمة، وتحديدا بالقرب من السوق البلدي والسوق النموذجي المخصص لإيواء الباعة المتجولين، يتعايش البشر والكلاب وغيرها من الحيوانات جنبا إلى جنب. في زنقة أحمد أوموسى وغيرها من الأزقة المجاورة للسوق البلدي، بالكاد يجد المارة ممرّا ضيّقا على قارعة الطريق يمرّون فيه. أما الأرصفة فمُحتلة عن آخرها من لدن أصحاب المحلات الذين يبسطون سلعهم بشكل عشوائي أمام محلاتهم، وكذا الباعة المتجولين. في هذا المكان، تُعرض الخضر والفواكه والأسماك والحلويات والملابس والأواني المنزلية والمواد الغذائية وغيرها في مشهد موسوم بالفوضى، بالرغم من أنَّ سوقا نموذجيا لإيواء الباعة المتجولين أنشئ في عين المكان قبل سنوات؛ لكنّه يظل شبْه مهجور. منذ أيام، نشرت هسبريس مقالا حول هذا السوق. وحسب الإفادات التي توصلنا بها، فقد باشرت السلطات عملية إعادة الباعة المتجولين إلى السوق، وتنظيف القطب المخصص لبيع الأسماك، والذي كان أشبه بمرحاض مفتوح في الهواء الطلق. بحر الأسبوع الماضي، حضر إلى عيْن المكان القائد والخليفة ورئيسة المقاطعة والكاتب العام للولاية ومسؤولون محليون آخرون، وأبْدى تجار السوق ترحيبهم بحملة إعادة توطين الباعة المتجولين في السوق؛ لكنّهم طالبوا بإعادة تهيئة السوق أولا. "حْنا بْغينا غي نخدمو، في ظروف ملائمة، فقط، وقد سبق لعمدة الرباط أن وعدنا بتجهيز السوق وإعادة تهيئته ليستجيب لمواصفات الأسواق النموذجية، ولو جرى تنفيذ هذا الوعد لرجع الباعة المتجولين إلى مكانهم داخل السوق"، يقول عبد الرحيم بنكار، رئيس جمعية جنان العكاري وأمين السوق الحامل للاسم نفسه. من بيْن أبرز المطالب التي يرفعها تجار سوق جنان العكاري إزالة سُورٍ يفصل السوق عن عمارات سكنية مجاورة، أو فتح منافذ فيه حتى يتمكن السكان من الولوج إلى السوق. وفي هذا الإطار، يقول عبد الرحيم بنكار إن "السوق أصلا معزول، وملّي بناو هاد السور سْدّو علينا كاع البيبان، وحْنا كنبقاو غي نشوفو فالسلعة ديالنا حتى تخماج". ومن خلال زيارة السوق النموذجي لإيواء الباعة المتجولين بحي العكاري، يبدو أنه "بُنيَ "كيف اتّفق"، إذ إنَّ حتى المراحيض المتوفرة في السوق ضيّقة للغاية؛ وهو ما يجعل التجار يهجرونها، ويفضلون قضاء حاجتهم الطبيعية في الخلاء، أو في الجناح المخصص لبيع الأسماك. الفوضى نفسُها، التي تسم سوق جنان العكاري، تنتشر خارجه أيضا. تلال من الأزبال والأتربة والأحجار، وكلاب ضالة في كل مكان، وأزقة محتلة بالكامل. وفي المساء حين يفد الزبناء على السوق، يتحول المكان إلى فضاء يعجّ بالضجيج والفوضى والمشاحنات والشجارات. "دبَا طّيحْ شي روح هنا"، يقول أحد المتسوقين معلقا على شجار اندلع بين بائعيْن متجوليْن تشاجرا حول مكان عرض سلعتهما. وفي الإطار ذاته، يقول عبد الرحيم بنكار إن "هذا الحي يعاني من مشاكل جمّة، حلُّها سهل، ويتمثل في إعادة تهيئة السوق النموذجي وإلحاق الباعة المتجولين بأماكنهم داخله". ويؤيد تجار سوق جنان العكاري الحملة، التي تقوم السلطات لإعادة الباعة المتجولين إلى السوق؛ لكنهم يعتبرون أنها لن تُفضي إلى أي نتيجة إذا لم تتم إعادة تهيئة السوق أولا، وإزالة السور الذي يفصله عن العمارات المجاورة، وفرْض البقاء في السوق على الباعة المتجولين.