نشرت صحيفة الاسبوع المصرية التقرير التالي وقد اعده محمود التميمي:"تحب تشتغل في الخليج ؟ .. ربما يكون هذا السؤال البريء المفتاح السحري الذي يفتح أبواب الفقراء في مصر.. يسمعونه فتدور الرءوس وتسقط المحرمات وحواجز العيب وموروثات الريف.. ولا يبقي إلا أحلام فارق العملة والبيت المسلح والاستغناء عن اهدار الكرامة ب300 جنيه في الشهر.. مقابل اهدار الكرامة ب3000 .. هذا بالضبط ما جعل آية أحمد حسن ذات ال16 ربيعا تركب الطائرة وحدها.. وتنزل في دولة خايجية وحدها.. وتواجه ما واجهته هناك وحدها .. ولتحكي لنا القصة.. عنها وعن هذا المجتمع الأعمي آملين ان تلقي بقصتها علي وجهه فيرتد بصيرا. آية.. البنت الرابعة بين إخوتها الستة.. في السادسة من عمرها دخلت المدرسة.. وفي السابعة خرجت من التعليم - مالهوش لزمة للبنت - وفي الثامنة طلق ابوها أمها.. عادت الأم المطلقة إلي الفيوم .. احترفت الخدمة في البيوت.. الشغل مش عيب.. هكذا تؤكد أم آية حينما تحكي نصيبها في المأساة .. الأم المنهكة بين بيوت الموسرين تكنس وتمسح وتتلقي الاهانات.. ما كانت لتري في مستقبل ابنتها غير الخدمة في البيوت.. ولكن مع الامل أن تخدم في بيوت أحسن ومع أسر أفضل.. كانت تذهب مع والدتها كل يوم في بيت مختلف.. شاهدت وهي في الثامنة ما يجعلها في الثامنة والثمانين.. تألمت وانكسر في قلبها أي حلم فقدرها أن تكون مثل امها: خادمة.. ولما اتمت الثانية عشرة وبات لها من القدرة العضلية ما يؤهلها للعمل.. ظهر في حياتها أبو يحيي وهو بواب إحدي العمارات في مدينة الفيوم.. وهو كزمنه بتاع كله لا تعرف له حرفه محدده فكل الأعمال تناسبه.. تأتي إليه مدامات القاهرة يطلبن بنت صغيرة بين العاشرة والثالثة عشرة.. أقل من ذلك لا ينفع واكثر من ذلك يضر.. المدام تخاف من زوغان عين البيه ولا يمكن ان يكون في البيت خادمة صبية تزحف علي جسدها علامات الانوثة .. الحل اذن في خادمة طفلة.. وكانت آية.. وكان أبو يحيي وكانت المدام .. فبدأت المأساة .. طبعا لم يكن المجلس القومي للأمومة والطفولة علي علم بما جري وإلا لكان قد اصدر بيانا ضد أبو يحيي والمدام التي تفننت في استغلال آية وعلٌمتها كيف تكره البشر في الوقت الذي تكره فيه نفسها .. كان ل المدام ابنة في عمرآية.. حاولت مرة ان تلعب معها فكشرت عن أنيابها وعنٌفتها انتي جاية هنا علشان تخدمينا.. وكالعادة لم يدم عمل آية كثيرا حيث استغنت عنها المدام فعادت الي أبو يحيي ليبحث لها عن مدام اخري.. ومن بيت الي بيت.. مع امها تارة وبمفردها تارة أخري.. كبرت آية وعرفت دورها في الحياة ..كان ابيها الذي هجرها بعد أن طلق والدتها يربي بناته من زوجات كثيرات أخريات .. ألحقهن بالمدارس وعلمهن.. أما آية فتحكي بألم عن جفائه وطرده لها حينما حاولت زيارته في آخر مرة رأته فيها. في بيوت المدامات انكسرت ذراع آية أثناء تلقيها علقة ساخنة لأنها تجرأت وطلبت اجازة لزيارة اهلها في رمضان رغم انها كسرت طبق وهي تغسله.. واثناء توصيلها ملابس المدام إلي المكوجي.. اطلقت ساقيها للريح.. هربت عند اختها فاطمة.. ثم عادت الي الفيوم تداوي نفسها وظلت سنة لا تستطيع العمل بينما تتنقل الأم بين بيوت الفيوم لتطعم اولادها.. في هذه الاثناء كان أبو يحيي يترقب.. وكانت آية تقترب من سن السادسة عشرة.. وكله بأوانه . وفي شهر يوليو الماضي طرق أبو يحيي باب أم فاطمة والدة آية.. قال لها: أنا عارف ظروفك .. وشايف آية مابتشتغلش.. علشان كده كلمتلك أم ندي ويارب توافق تشغلها معاها وتسفرها ابوظبي.. لم تتمالك الأم نفسها وهي تسمع اسم المدينة الساحر.. بيوت المسلح المملوكة لبنات سافروا وهن في مثل سن ابنتها وعدن بعد خمس أو عشر سنوات تجعلها لا تناقش في الأمر!! هذا علي الرغم من تأكيد الحكومة أنه لا سفر للخادمات الي الخارج - الفيوميون كلهم يعلمون أن الخادمات يسافرن وبعد عدة سنوات ينزلن إجازة قصيرة يشترين فيها الأرض وفي الإجازة الثانية يتعاقدن مع المقاول.. وفي الإجازة الثالثة يكون الاساس قد اطل من بطن الارض.. وكل عام يرتفع البناء طابقا واحدا.. وكل واحدة وشطارتها .. علي فكرة يحظي هذا النموذج باحترام كبير بين أبناء المجتمع المحلي هناك بغض النظر عن مصدر هذه الأموال.. وبعد أن تنتهي الخادمة من سنوات خدمتها في الخليج تعود وقد تحولت إلي صاحبة ملك وربما تدير الأعمال وتشغل العشرا .. وتحظي باحترام الجميع .. هذا بالضبط ما دفع آية الي تسليم نفسها لأم ندي اللي بتسفر البنات كما يقال عنها في الفيوم.. في اليوم التالي اصطحب أبو يحيي فتاته الجديدة آية الي شقة أم ندي في حي جنوب في مدينة الفيوم .. الشقة تشي بثراء وتوحي للبنت الفقيرة بأمل كبير.. حتي أم ندي الشابة الثلاثينية بدت عليها علامات النعمة والرفاهية وهي تستقبل آية وتشرح لها عملها في الخارج ..ووعدتها ان يصل راتبها الي خمسة الاف جنيه اذا سمعت كلام هالة التي ستستقبلها في أبوظبي .. وتكررت زيارة آية لمنزل أم ندي ولكن هذه المرة كان ابوحمدي وعادل موجودين.. واكتملت المعاينة واتضح لهم ان آية تصلح لل الشغل .. أم ندي قالت لآية إن عليها تسليم نفسها لأبوحمدي وعادل لأنهما سيستخرجان لها جواز السفر والتأشيرة وتذكرة الطيارة وكل شيء لكي تسافر وتعمل مضيفة في كافيتريا في أبوظبي بدل الخدمة في البيوت .. استغرق الأمر شهرا تقريبا عادت بعده ام ندي لتسلم آية جواز السفر وتأشيرة الزيارة وتذكرة السفر علي طيران الاتحاد.. وبدأ التلقين.. فلقد كانت التعليمات لآية ان تقول عند سؤالها في المطار إنها تسافر في زيارة لخالتها في ابوظبي.. وألا تقول غير ذلك مهما حدث.. وفي ليلة 30 يوليو الماضي وفي مطار القاهرة وقفت البنت الصغيرة أمام ضابط الجوازات الذي ارتاب فيها وسألها: رايحة تعملي ايه؟ فقالت بارتباك: رايحة عند خالتي في أبوظبي .. الضابط سألها اسمها ايه خالتك .. فلم ترد.. أعاد عليها السؤال فلم ترد.. حسب رواية آية ابتسم لها الضابط وقال: أنا عارف انك بتكذبي .. بس المرة الجاية متبقيش تكذبي تاني ( !!! ).. وصعدت آية علي الطائرة .. واقلعت إلي أبوظبي .. وفي المطار هناك وجدت هالة في انتظارها.. عرفتها بنفسها وقالت انا هنا اسمي ليالي.. هالة دي في مصر.. كان بيت ليالي في شارع المطار قرب بنك ابوظبي التجاري .. صعدت البنت معليالي الي الشقة وبمجرد دخولها وجدت ست فتيات مصريات - لا داعي لذكر اسمائهن - بين السابعة عشرة والخامسة والعشرين.. من الفيوم ومحافظات أخري.. حارس العمارة مصري من الاسكندرية.. خلعتليالي عباءتها الخليجية وعرفت آية بزميلاتها ثم طلبت منها الراحة ثم الاستعداد لمشوار مهن.. بعد ساعة ونصف الساعة في البيت نزلت ليالي مع آية ركبتا السيارة وطافا بالمحال والشوارع النظيفة والمستقبل المبتسم للبنت الصغيرة المحرومة.. توقفت السيارة امام الكوافير.. دخلت آية لتخلع بالداخل ملابسها وتخضع لعملية نظافة وتجميل فائقة؟ تقول انها لم تعرف نفسها حينما نظرت في المرأه؟ اطالوا شعرها وحددوا حواجبها وغيروا ملامحها.. واندهشت البنت حينما قالت ليالي: إن هذه اصول الشغل .. عادتا الي البيت كانت البنات الست قد ارتدين ملابس السهرة ووضعن اطنان المساحيق علي وجوههن .. كل ذلك تحت العباءة والطرحة الخليجيتين طبعا.. ونزلوا مع ليالي الي العمل بينما تركوا آية تستريح هذه الليلة من عناء السفر .. الساعة السادسة من صباح اليوم التالي عادتليالي ومعها البنات ونمن جميعا.. استيقظت آية مبكرا كعادتها فوجدتليالي قد احضرت لها ملابس جديدة أقل ما يقال عنها انها فاضحة .. ارتابت البنت الصغيرة ورفضت ارتداءها .. اغتاظتليالي وقالت دي هدوم الشغل.. صرخت آية في وجهها هوفين الشغل ده أنا قاعدة عندك من ساعة ما وصلت وعايزة استلم الشغل في الكافيتريا ضحكت ليالي وقالت: شغلك مش في الكافيتريا شغلك معايا في الديسكو.. بنروح كل ليلة هناك وكل واحدة تشوف راجل.. الحقيقة ان حوارليالي وآية تضمن ما هو أكثر خدشا للحياء وما هواكثر صراحة من تفاصيل وشتم بل وضرب ايضا . حتي ان الفتيات الست اشتركن في ضرب آية بوحشية لمجرد انها رفضت هذا العمل ..ليالي اندهشت من منطق البنت .. المفروض انها تعلم طبيعة عملها وإلا ما الذي يجعلها تسافر وحدها في هذه السن الي دولة لا تعرف فيها احد لتعمل هناك إلا العمل بالدعارة !!.. بعد الضرب والاهانة اصطنعت آية انها وافقت .. ارتدت الملابس الفاضحة وفوقها العباءة الخليجية والطرحة ونزلت معليالي.. في الطريق الي الديسكو اختمرت في عقلها خطة الهرب ..وما ان دخلت الي هناك حتي تحينت الفرصة .. الديسكومليء بشباب خليجي وفتيات من جنسيات تغلب عليها المصرية والمغربية .. البنات خلعن العباءات وبدأن في الرقص .. اصطنعت آية الغثيان وطلبت الذهاب الي الحمام.. ومن الحمام الي الباب ومنه الي الشارع.. استوقفت أول سيارة وطلبت من قائدها توصيلها إلي اقرب مركز شرطة.. هناك استمع اليها ضابط الشرطة الاماراتي باهتمام وبتوقع لما تحكية .. فما أكثر تلك الشبكات هناك .. طلب منها أن تبيت ليلتها في القسم .. في اليوم التالي تحركت قوة من الشرطة ومعها آية لتدهم شقةليالي.. لم تجد الشرطة احدا في البيت.. لكن حارس العقار الاسكندراني نبه الضابط إلي أن ليالي تملك شقة أخري في العقار وبمداهمتها وجدت الفتيات الست نائمات.. سألهن الضابط عن سبب وجودهن في الامارات فقالوا: إنهم يبحثون عن شغل ولم يجدوه بعد.. وان ليالي تساعدهن علي البحث عنه.. وطبعا ثبت ان اقاماتهن جميعا غير شرعية .. في هذه الأثناء حضرت ليالي التي نفت علاقتها بآية إلا أنه بتفتيشها وجد الضابط جواز سفر آية في حقيبتها فلم تستطع انكار علاقتها بالبنت وبالقصة كلها.. شتمها الضابط بالفاظ تستطيع تخمينها واقتادهن جميعا الي قسم الشرطة حيث كان مندوبون من السفارة المصرية بانتظار آية .. اخذوها علي السفارة بعد ان فهموا القصة وحصلوا علي صورة من المحضر.. في السفارة احاط الوزير مفوض ايمن مجدي البنت بكل رعاية وتقدير وقال لها اعتبري نفسك في القاهرة انتي هنا علي أرض مصرية واتصل بمصر للطيران واعطاها امر تكليف بتسفير اية فورا الي مصر بعد الاتصال بالسلطات المعنية هناك.. وفي نفس الليلة كانت آية علي متن طائرة مصر للطيران في طريقها للقاهرة بعد 72 ساعة كانت فاصلة في حياة هذه البنت.. كشفت فيها عن شبكة بغاء دولية تمتد من الفيوم والمنصورة وحتي أبوظبي ودبي.. وكشفت التحقيقات أن بعضا ممن قاموا بتسفيرها مسجلين لدي مباحث الآداب، وبعضهم اتهم في قضايا بغاء دولي أكثر من مرة .. الغريب انهم ينجحون في تسفير ضحاياهم .. وان ضحاياهم يسقطون .. آية قبعت في بيتها بعد عودتها وخافت من التبليغ في مصر بعد أن هددوها بماء النار.. ولكنها فوجئت بضابط مباحث الآداب يطرق بابها ويسألها لماذا لم تبلغ ويطلب شهادتها في القضية.. وقبض علي تسعة متهمين في الفيوم، كما تم ترحيل البنات اللاتي كن في أبوظبي مع ليالي.. ويبقي فقط بعد أن القت مباحث الآداب القبض علي كل المتورطين في القضية أن تأمر بالقبض علي الفقر والعوز والذل .. علي الظروف السيئة التي قادتنا الي هذا الواقع المرير.. ولنسأل كم آية تقول لا في مثل هذا الموقف.. وكم آية تسقط في هذا المستنقع كل يوم ولا تقوي علي أن تقول لا؟ .. في مثل هذه القضايا نحن جميعا مسئولون. ""