لا حديث هذه الأيام عند مختلف الأسر المغربية سوى عن نتائج البكالوريا وعن الحصاد العلمي والمدرسي لأبنائها، وما صاحب ذلك من قراءات مختلفة وتحاليل وأبحاث حول هذه النتائج. وقد استوقفني، كما استوقف الكثيرين، وجود معدلات تفوق 19/20 وتوسع فئة المتميزين على الخصوص، وإذا كان التميز في اللغة من الميز، أي التمييز بين الأشياء وميزت الشيء أي أفرزته، فإنه في الاصطلاح التربوي هو التفوق الدراسي والنجاح بأعلى درجات الجودة. وقد بدا لي من خلال تتبعي لنتائج البكالوريا لهذه السنة حصول أعلى المعدلات والدرجات بالمدرسة العمومية المغربية التي تفتقد الكثير من الإمكانات المادية مقارنة بنظيرتها الخصوصية التي تكلف الأسر المغربية نفقات باهظة، وهذه معادلة جديدة في المشهد التعليمي المغربي. فكيف نفسر تبوؤ تلاميذ المدرسة العمومية رتبا متقدمة رغم الإمكانيات المحدودة التي نعرفها جميعا؟ وإذا كان الجميع يقر بضعف التعليم في المدرسة العمومية المغربية، وتشهد بذلك مختلف التقارير الصادرة عن المؤسسات المختصة، ومنها تقارير المجلس الأعلى للتربية والتكوين، فهل يمكن اعتبار هذه المعدلات مؤشرا للحكم على مدى تحقق الأهداف التعليمية وجودة منظومة التربية والتكوين وخاصة أن البكالوريا تشكل أهم مخرجات المنظومة بشكل عام؟ وهل يشكل التفوق الدراسي المغربي معيارا هاما لقياس المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي كما هو متداول عند الخبراء في باقي بلدان العالم؟ وهل هناك شروط وظروف عديدة ومتنوعة ساهمت في صنع التميز والتفوق الدراسي لهذه السنة أم إن الأمر يعود بالدرجة الأولى إلى التلميذ المغربي الذي يتمتع بالذكاءات والقدرات العقلية الحاسمة في هذا التفوق مع استحضار شروط أخرى أسرية وغيرها مساعدة على صنع التميز والنبوغ المدرسي؟ أم إن التفوق الدراسي هو أكثر من كل هذا؟ هو عملية ممنهجة وعلمية سبقتها مخططات وبرامج واستراتيجيات وتدابير قامت بها الوزارة الوصية انسجاما مع أهداف ورافعات الرؤية الاستراتيجية 2015-2030، وخاصة مجال الارتقاء بجودة التربية والتكوين، ولاسيما ما يتعلق بتطوير النموذج البيداغوجي القائم على مجموعة من الأسس والمرتكزات، ومنها "حفز النبوغ والتفوق في المدرسة المغربية". ومن ثم، فالتفوق الدراسي هو عملية مستهدفة وممأسسة وفق آليات علمية جعلت المدرسة المغربية تعطي هذا الجيل المميز، على غرار ما هو موجود في باقي بلدان العالم الذي لا يعترف إلا بالأفضل والأقوى والنابغة والمميز. وبالتالي، فالتميز مطلب للرقي في الحياة. فمزيدا من الريادة للتلميذات والتلاميذ المغاربة الذين أتمنى أن يفتح باب الأمل في وجوههم وأن نثق في قدراتهم وأن نساعدهم على الوصول إلى القمة؛ لأن نجاحهم وتميزهم هو نجاح للوطن وتميزه.