في هذا المكتوب، الذي ينشر على حلقات طيلة شهر رمضان، دعوة صادقة إلى الإقبال على الحياة. إنه يقول، من خلال سرد أحداث واقعية من حياة إعلامي مغربي قهر المستحيل بقدم واحدة، إن الحياة جهد وعرق وتضحية.. وإنها – قبل ذلك وبعده – جميلة حقا، وتستحق أن تعاش. الحلقة الثامنة والعشرون: هذه رسالة حبي إليك ! وإني لأذكر كيف جلستُ، ذلك اليوم، مستأنسا بالأغنية التي أسمعها كلما حل شهر رمضان. ولعلها تذكرني بأيام الصبا. وكانت تقع في أذني وادعة فكأني على ربوة عالية أتعرض للنفحات. وغنى محمد عبد المطلب: - رمضان جانا وفرحنا بيه. بعد غيابه وبقى له زمان. غنوا وقولوا شهر بطوله. غنوا وقولوا أهلا رمضان. ثم رأيتك! وكانت عيناي تقطران تعبا. ونظرت إليك فسَرَت في أوصالي حيوية مفاجئة. وتنمّلت أًصابع يدي فجعلت أقبضها وأبسطها في حركة آلية، بدت بلا معنى. ونفذت كلماتي فإذا هي أصوات مبهمة وحروف مقطعة. ثم جلسنا قبالة الزجاج الفاصل. وانطلق جنيريك الحلقة مؤذنا ببداية الحديث الإذاعي. وانتشيتُ بقصائدك. وقلت إنما هي نشوة الأدب وانتهى السؤال. ولكنها كانت شيئا آخر. وكنت أتفرّس في الوجوه باحثا عن وجهك. وأتنسم الروائح لعلي أشم عطرك. وكنت أجوب الأزقة والشوارع باحثا عن طيفك أو خيال طيفك. ثم تبرزين من خلف حجبِ الغيب وتحتجبين!؟ ولكن القدر الجميل كان ينسج فصول القصة السعيدة. ولعله رأى سريرة نفسي فآثر أن يرحمني، فأنا لا أجد في قلبي ضغينة على أحد من الناس ولا حقدا ولا حسدا، على ما قد يكون فيّ من عيوب. وما أبرئ نفسي، إن النفس لأمارة بالسوء.. ولكني أعلمُ الناس بقلبي. ولقد خفقت جوانحه بعاطفة الحب حتى اختلطت بالدم ومُشاشة العظم! ولقد كنت سندي على الدوام. يدا في يد وكتفا على كتف.. وإني أشعر - يا رفيقة الدرب - كأني قد حزت الدنيا فوضعتها في جيب سترتي. وما هذه الحياة إن لم تكن حبا خالصا يضفي المعنى على الحياة..! وإني لأرى فيك نفسي فكأنك مرآتي. بل كأنك أنا وكأنني أنت! وقد كتبت إليك رسالة حب بعد تسعة أعوام من زواجنا. وإنما كان القلب يملي وكانت اليد تكتب: ليس الحب مشاعر محلقة.. ليس جملا مزخرفة وكلمات تقال.. وليس هدية رمزية في السان فالنتاين ولا مفاجأة أخبئها لك في عيد زواجنا.. أحدثك، اليوم، عن حبي أنا، لا عن الحب الذي تقرئين عنه في الكتب. فهل ترهفين السمع لعاشق لا يحسن لغة العيون ولا يعرف كيف يتودد بالورود ولم يقف يوما تحت شرفة بيتك يعزف على القيثارة ويشدو بأغنيات الغرام؟ لا أحب أن أتقمص دور روميو.. لم يكن العاشق الأشهر سوى شخصية أبدعتها مخيلة شكسبير. على السجية، بلا أقنعة مسرحية ولا إكسسوارات ولا أضواء ولا موسيقى مصاحبة، أحبك. لا أؤدي دور متيم في مشهد مسرحي. الأمر أعمق من ذلك يا رفيقتي. الأمر أدق وأصدق ! وبعد، فماذا عساي أقول؟ وهل تجدي الكلمات؟ تضيق العبارة، على اتساع المعاني. ليس عيّا في اللسان ولا عيبا في البيان: هذا الحب طيف معنى، لا يوصف لأنه أكبر من كل الكلمات. وأنا، يا شقيقة الروح، شربت الحب على الريق كؤوسا من شجن ! [email protected]