كثيرا ما تناهى إلى أسماع العامة قول مأثور في الدين يتحدث عن أن "النساء ناقصات عقل ودين"؛ لكن هذه القاعدة التي التزم بها عديدون لم تعد مجدية في الوقت الراهن.. المناسبة هي "اختبارات الدورة العادية لامتحان البكالوريا"، والحدث هو تلميذات مغربيات يتربعن على عرش أهم شهادة تعليم على المستوى الوطني. المعدلات العليا المسجلة في الامتحان الوطني لنيل شهادة البكالوريا تميزت مع الموسم الدراسي الحالي كونها سجلت بتاء التأنيث، فقد حصدت التلميذات الأخضر واليابس في نتائج "الباك" في دورة يونيو العادية. وأعلنت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي أن أعلى معدل عام في اختبارات الدورة العادية لامتحان البكالوريا – 2017، على المستوى الوطني وفي التعليم العمومي، سجل في مسلك العلوم الفيزيائية، حصلت عليه التلميذة إيمان الطويل، فيما حصلت التلميذة أحلام أومراغ على أعلى معدل في المسلك نفسه في التعليم المدرسي الخصوصي. على مستوى ترتيب المعدلات ال10 الأعلى وطنيا في جميع الشعب العلمية والتقنية والأدبية والتعليم الأصيل، في التعليمين العمومي والخصوصي، سجلت الوزارة تميزا جد واضح للإناث، فمن بين التلاميذ الأربعين الأوائل وطنيا، نجد 32 تلميذة حصدت المراتب الأولى، بينما لم يحصل الذكور سوى على ثماني مراتب متقدمة. كما سجلت حضورا ساحقا للإناث على مستوى المراتب العشرة الأولى وطنيا في قطب الشعب الأدبية والتعليم الأصيل على مستوى التعليم العمومي. وفي قطب الشعب العلمية والتقني بالتعليم العمومي، حصلت سبع تلميذات على أعلى المعدلات وطنيا، تتقدمهن التلميذة إيمان الطويل (معدل 19.31) عن الثانوية التأهيلية سيدي بنور التابعة لأكاديمية الجهوية بجهة الدارالبيضاءسطات، وهو العدد ذاته الذي سجل في الشعب ذاتها بالتعليم الخصوصي، إذ تربعت التلميذة أحلام أومراغ على عرش فوجها وطنيا بمعدل (19.45) عن الثانوية التأهيلية مجموعة مدارس المقريزي بجهة الرباطسلاالقنيطرة. أما في قطب الشعب الأدبية والتعليم الأصيل – التعليم العمومي، فكان نصيب المراتب العشرة الأولى جميعها لصالح التلميذات، تتقدمهن التلميذة رشيدة عكوري (معدل 18.44) عن الثانوية التأهيلية جابر بن حيان بجهة الرباطسلاالقنيطرة، فيما حصدت ثماني تلميذات أخريات صدارة لائحة الناجحين ضمن العشرة الأولائل في القطب ذاته من التعليم المدرسي الخصوصي، في مقدمتهن كوثر سفير بمعدل (16.91) وهي المتمدرسة بالثانوية التأهيلية "الأحرار 3" على مستوى جهة الدارالبيضاءسطات. تميز تلميذات المؤسسات التعليمية في المغرب، على مستوى معدلات الباكالوريا للموسم الدراسي الحالي، نقلته هسبريس إلى يوسف مزوز، الباحث في المجال التربوي، الذي أرجعه إلى دوافع وأسباب نفسية وأخرى اجتماعية وتربوية؛ من بينها "أن الإناث هن الأكثر التزاما وانضباطا في مسارهن الدراسي داخل الأقسام وفي الإعداد للامتحانات". وأشار الكاتب العام في المركز المغربي للأبحاث حول المدرسة إلى أن الذكور في مقابل ذلك "يعيشون حالة من التحرر والانسياق وراء ملهيات وسائل التكنولوجيا الحديثة واللجوء إلى فضاءات أخرى خارج الفضاءات الدراسية"، مضيفا أن الأنثى التلميذة "تحافظ، في غالب الحالات، على درجة من الانضباط والتفرغ التام، خاصة في المنزل، إذا ما تعلق الأمر بالدراسة والإعداد للامتحانات". وبالرغم من غياب دراسات مغربية تهم تحليل خلفيات مدى تفوق الإناث على الذكور في الدراسة بالمغرب، حيث يتم الاقتصار على الأرقام الرسمية التي تقدمها وزارة التربية الوطنية، فإن المتحدث يشير إلى قضية يراها مهمة "هي أن الفتاة المغربية قادرة أكثر على التميز في الدراسة، مع علمنا بأنها هي الضحية الأولى من الهدر المدرسي في العالم القروي"، مشددا على أن إكراهات أخرى تقف عند هذا المسار "مثل إكراهات واقع المدرسة المغربية التي تؤثر على مستوى تحصيل التلاميذ ذكورا وإناثا". من جهته، يرى أشرف بقاضي، الأستاذ الممارس والباحث في مجال التربية، أن تفوق التلميذات على التلاميذ في التحصيل الدراسي يبقى ظاهرة، "من خلال تجربتنا الميدانية والملموسة في الفصل الدراسي يمكن أن نستخلص أسباب هذا التفوق الدراسي لدى الفتيات وفي جميع المواد سواء العلمية أو الأدبية"، موردا من ضمنها أن "التلميذات أقل اندفاعا وعشوائية وفوضى من التلاميذ وهن أقل هدرا وإضاعة للوقت". ويضيف المتحدث، في تصريح لهسبريس، أن سببا آخر وراء ذلك، ويهم "مراقبة الآباء وأولياء الأمور للبنات أكثر من البنين" و"حسن المواظبة والسلوك لدى غالبية التلميذات مقابل التلاميذ"، مشددا على أنه بالرغم من تفوق الإناث على الذكور، "خاصة أن الميدان التربوي يشهد اختلافا للميول العلمية بين الجنسين لمصلحة التلميذات بالتوجه للأقسام العلمية"، فإنه "نتمنى أن تشتعل المنافسة بين الجنسين في مدرستنا المغربية لما له من أهمية في جودة التعليم وتحصيل النتائج وضمان النجاح وفرص العمل والولوج إلى المراكز والمعاهد ذات الاستقطاب المحدود".