تنوير: قد تفزعنا بعض المفاهيم والمصطلحات أحيانا، وقد تكون الترجمة إذا لم تُصَاحب بوعي معرفي وسياقي سببا في هذا الفزع وهذا الإزعاج، وقد يضطر بعض الباحثين ممن تستهويهم الكلمات الرنانة والمفاهيم الطنانة إلى تمرير الكلمة من عنق الزجاجة فتبدو باهرة في نطقها وشكلها، عادية أو بسيطة فيما تحمله من معنى.. لا أحد ينكر وجود هذا الوضع، ولا أحد من المشتغلين بالدرس المعرفي والعلمي والبيداغوجي.. يُنكر حجم البلبلة التي يمكن أن تحدثها بعض المصطلحات والمفاهيم للطالب أوالباحث إذا لم تجد الأستاذ القادر على تبسيطها وتقريب الأفهام إليها.. فكم من عبارة بسيطة، أو مفردة معينة في ورقة امتحان شوشت على المترشح؛ وقبلها كم من كلمات ضخمة في كتاب جامعي جعلت القارئ يضع الكتاب جانبا ويفقد شهية المتابعة، بل وتدفعه إلى الشك في تصوراته وفهمه للأشياء. أستحضر هذا الأمر، وربما أعود إليه بتفصيل عالم في مقال لاحق، وأنا أعاين وأقدر المجهود الكبير والمضاعف الذي يبدله أستاذ في الفصل الدراسي أو التكويني وهو يبحث عن مرادفات لمفهوم معين يشكل بؤرة المعنى وعماده في نص أو نظرية ما، فيقرأ الحيرة في محيا طلابه، ثم يُطَمْئِنهم قائلا: إذا صادفتموه في ورقة الامتحان أو في مقابلة شفهية، فالمقصود به بسيط،، هو كذا وكذا.. أي جهد مضاعف هذا؟ ! الوضعية الاختبارية والكفايات المطلوبة: يقصد بالوضعية الإختبارية (الوضعية: مشتقة من وضع، حالة..والاختبارية: مشتقة من اختبار،امتحان، أو تقويم..) مشهد "سينمائي" مُقترح يُطلب فيه من المترشح كما هو الحال في مباراة مسلك الإدارة التربوية أو الامتحانات المهنية أو مباريات التفتيش، افتراض لحظة أو وضعية واقعية أو افتراضية في سياق معين تحفها ظواهر وتصورات ونظريات.. تدفع المترشح الواعي إلى استدعاء مدونته القرائية وما تحتويه من معطيات ومعلومات في المجال التربوي أو الاجتماعي أو النفسي أو الإداري لعلها تفيده في الإجابة عن المطلوب. في هذا الصدد، جرت العادة أن يُطلب من المترشح لاجتياز امتحان التخرج في مسلك الإدارة التربوية التفكير في وضعية (حالة بمعنى من المعاني) افتراضية أو واقعية مستمدة من واقع الممارسة الإدارية والتربوية المفتوح على الطوارئ والمفاجآت، بهدف التفكير فيها من مختلف الجوانب الممكنة، لأن القصد المضمر هو التعلم منها - كما هو الحال أثناء فترة التكوين في المراكز وما قد تستدعيه المجزوءات من وضعيات حقيقية او افتراضية- والتّدرب على حل المشكلات في المواقف المماثلة، مع العلم أن الوضعيات الإختبارية تعتبر من أهم وسائل التقويم والتعلم خصوصا وأنها تنطلق من افتراض "نازلة" ما معقدة، تتطلب من المترشح توظيف كل ما اكتسبه من مهارات وكفايات خلال فترة التكوين بالمركز وخارجه، أقصد فترة التدريب الميداني، دون أن ننسى بحث التخرج الذي يفترض فيه ملامسة إشكالية أو جزئية دقيقة قد تصل بالباحث في لحظة من اللحظات إلى الشعور ببداية التخصص فيها. لا أحتاج إلى تذكير المترشح بأن غاية ما يسعى إليه نظام التقويم بمسلك تكوين أطر الإدارة التربوية هو معرفة مدى أهلية الخريج لتحمل مسؤولية تدبير مهام وأنشطة مرتبطة بالتسيير الإداري والتربوي والمالي للمؤسسة التعليمية، وذلك من خلال قياس درجة تملك الكفايات المهنية الخمس المحددة لملمح التخرج. أولى هذه الكفايات تمكين المتعلم من تخطيط العمليات الإدارية والمالية على المدى القصير والمتوسط والطويل، ثانيها تدبير إنجاز العمليات التي خطط لها "مشروع المؤسسة، أو أنشطة تعلم معينة.." وكذا الإجراءات التي تفرضها بعض الظروف الخاصة غير المتوقعة، ثالثها أن يقوم قبليا وبعديا بإنجاز العمليات من خلال أدوات ووسائل المراقبة والضبط؛ ورابعها أن يتمكن من تبني مقاربة متبصرة في وضعيات ممهنة أو مهنية، وخامسها أن يكون المترشح قد تشبع بثقافة أخلاقية ويعمل على إعمالها في الوسط المهني. المطلوب إذن هو أن تظهر هذه الكفايات بشكل ذكي في أجوبة المترشح سواء في الاختبارين الكتابي والشفهي. توصيف الوضعية الإختبارية: ضوابط منهجية إن المترشح مطالب بالإجابة عن الوضعية الاختبارية في موضوع إنشائي منهجي ومتماسك، خصوصا وأنها تكون وضعية مركبة مرتبطة بتدبير مؤسة تعليمية، وتطرح إشكالا ذا بعد إداري وتربوي ومالي، يستلزم من المترشح أثناء عملية التفكير في الجواب تعبئة كل الموارد التي تعلمها في الأسدسين الأول والثاني، وعندما نقول موارد، فإننا نتصور أن يمر شريط المجزوءات المدروسة –التشريع المدرسي والتنظيم الإداري والتربوي، التأطير القانوني لمهام وتنظيم الإدارة التربوية، تكنولوجليا المعلومات والاتصالات في تدبير المؤسسة التعليمية، التواصل والتنشيط، مشروع المؤسسة، المظاهر السيكوسوسيولوجية للتدبير، التقويم المؤسساتي، قيادة التغيير، تدبير وتفعيل الحياة المدرسية، التدبير البيداغوجي والنجاح المدرسي، مدخل للتدبير المادي والمالي للمؤسسة التعليمية، التوثيق والأرشفة- بين عيني المترشح الذي يجب أن يستحضر السياق، أي صياغة الإطار العام للوضعية من خلال تحديد المكان والزمان.. ولأنه في العادة تكون بداية الوضعية كالآتي: "بعد تخرجك من مسلك أطر الإدارة التربوية من المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين، تم تعيينك مديرا بمؤسسة للتعليم الابتدائي بوسط شبه قروي، وبعد استلامك لمهامك الإدارية قمت بالاطلاع على مجموعة من الوثائق الخاصة بالمؤسسة، لاسيما تقارير مجلس التدبير وتقارير المجلس التربوي ... وبعد تحليلك لها وتشخيصك الأولي لواقع المؤسسة استخلصت ما يلي..." فإن التعليمات (الأسئلة بلغة مدرسية) تتضمن ثلاثة مطالب (أي المطلوب الإجابة عنه) على الأكثر وتتعلق ب: تحليل الوضعية المطروحة، وإنجاز المطلوب (الجواب)، ثم تعليل الإختيارات عبر تقديم الحجة والبرهان من خلال ما تعلمه المترشح من نصوص ومرجعيات ووضعيات مماثلة خلال فترة التكوين. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن جواب المترشح يجب أن يكون في موضوع إنشائي متماسك وسليم لغويا، يتبنى المعمار الكلاسيكي في كتابة المواضيع: مقدمة وعرض وخاتمة دون أن يكتبها في الورقة، بحيث يستطيع المصحح أن يعرفها من خلال الهندسة البصرية لورقة الإمتحان، بحيث يترك المترشح سطرا واضحا بين المقدمة والعرض والخاتمة، بشكل يجعل الموضوع يظهر على شكل ثلاثة مربعات يكون فيها المربع الثاني مربع العرض، أكثر مساحة. إن المترشح في هذه اللحظات الحساسة من مساره المهني مطالب باستدعاء ثقافته المدرسية أو الجامعية، بمعنى: - ملاحظة النص-الوضعية الإختبارية والتفكير في كل مفاهيم النص وعناصره البارزة، - قراءة النص قراءة أولية ومعاودة قراءته حتى يتجلى المعنى المقصود، - الانتباه أثناء عملية القراءة إلى المطلوب الأكثر أهمية (سلم التنقيط)، - فهم الوضعية الإختبارية وتبين محتواها الدلالي والإشكالي، - المترشح وهو يقرأ ويعيد القراءة، يجب أن يحرص على تدوين أي فكرة أو جواب محتمل عن إحدى تعليمات الوضعية، فربما قد لا يراوده مرة أخرى، - ضرورة وضع تصميم للموضوع باعتباره - خطة عمل تساعد المرشح على حسن تنظيم إجابته درءا لأي انحراف عن الموضوع، كما يساعده على ضمان التناسق والانسجام والتوازن بين مكوناته الاستراتييجة: مقدمة، عرض، خاتمة. - وضع خاتمة تركيبية تحمل جوابا عن المطلوب في الوضعية مع الإشارة إلى ثنائية سحرية باتت لازمة هي: تغيير الذهنيات والحاجة إلى قيادة للتغيير.. إن أخطر ما يهدد جواب المترشح هو انسياقه خلف تفاصيل نظرية غير المفيدة للمطلوب، خصوصا عندما يصادف مجالا اشتغل عليه في بحث التخرج أو في عرض أنجزه؛ قد يكون الأمر مفيدا في بعض الأحيان، لكن هذا لا يمنع من التنبيه إليه، مع الحرص على عدم الوقوع في العقعقة، أي المبالغة في ذكر أسماء الباحثين أم المؤلفين. ويجب أن يحرص المترشح وهو يجيب عن المطلوب منه -الذي يكون عادة على شكل عوارض- أن يربطه بالمجزوءة التي تحتضنه، كما يَجْمُل به أن يجعل الجواب المرتبط بمجزوءة من المجزوءات في فقرة خاصة تظهر بصريا للمُصحح، تبدأ بترك ثلاثة مربعات على اليمين، وتنتهي بنقطة تكون بمثابة حسن تخلص من المجزوءة والا ستعداد للخوض في أخرى.. ويفترض في الخاتمة أن تكون تركيبية تحمل جوابا للوضعية الإختبارية المطروحة وتتضمن القرارات المناسبة. إن عملية التصحيح تبحث عن حضور خمسة معايير في ورقة الجواب: - الملاءمة ويقصد بها مطابقة المنتوج للمطلوب، بلغة مدرسية مطابقة الجواب للسؤال، - الانسجام ويقصد به تناسب الأفكار وتسلسلها بشكل تغدو معه مكونات المنتوج (الأجوبة) متناسقة ومترابطة ودالة ومعبرة، - تعبئة وتوظيف الموارد ويتجلى هذا الأمر في قدرة المترشح على حسن اختيار الموارد أو المضامين السليمة وتوظيفها بشكل معرفي سليم، - القابيلية للإنجاز بمعنى أن يكون المترشح واقعيا بشكل يجعل الأنشطة التي اقترحها ممكنة التطبيق على أرض الواقع، - التميز ويقصد به الإبداع والإتقان، وجمالية الورقة، وبطبيعة الحال لا بأس من التذكير بقيمة الخط الجيد والواضح والمقروء. غاية "المنى التقويمي" أن يتضمن الجواب عن الوضعية الاختبارية المفاهيم الأساسية المنتمية إلى حقل الإدارة التربوية، أوالمفاهيم التقنية أو الخاصة بالمجزوء التي استدعاها مقام الاختبار، ولا بأس إن كان المترشح قادرا على الاستشهاد بنصوص قانونية أو مذكرات ذات صلة؛ أو كان ذكيا ونبيها في استثماره للمستجدات التربوية والإدارية كالمنصوص عليها في الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 ومجالاتها ومشاريعها 16 أو مشاريعها المندمجة، بعيدا عن أي تعسف أو استدعاء قسري لها من باب التعالم.. كما يتعين على المترشح تجنب الاتفاق المجاني مع الأطروحة المقدمة في الموضوع إن وجدت، ويستحسن مناقشة الأفكار وتقديم الحجج، مثلما يجمل به إبراز قيمة الموضوع وتوضيح منهجية اشتغاله، مع الابتعاد عن الخوض في العموميات والحشو. إن الهدف الأسمى من التكوين هو إعداد إطار إداري يوظف كل الموارد التي درسها، ورصيده الثقافي والتنظيمي السابق إن وجد لحل أي طارئ أو متغير قد يحل بإدارته، أو بمجال تدبيره؛ بطبيعة الحال كل هذا انطلاقا من التشبع بعقلية قائد التغيير المتوازنة والمرنة والمُجَمِعَة..ما دامت الإدارة في أصلها إدارة للنفوس قبل كل شيء. * باحث في الشؤون الإدارية والتربوية