حرارة الطقس المفرطة بمدينة الرباط لم تعادلها اليوم الأحد سوى حرارة الاحتجاجات. ففي مشهد غير مسبوق، خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين في مسيرة أولها قرب محطة القطار الرباطالمدينة وآخرها بساحة باب الأحد، للتضامن مع مطالب الحراك المندلع بعدد من مناطق الريف منذ حوالي سبعة أشهر. المسيرة الوطنية التي أطرتها قوى اليسار وجماعة العدل الإحسان والحركة الأمازيغية وعدد من المنظمات النقابية والحقوقية، بحضور والديْ زعيم الحراك الريفي ناصر الزفزافي، رفعت خلالها شعارات مطالبة بإطلاق سراح المعتقلين على خلفية أحداث الجمعة ما قبل الماضية، من قبيل "الشعب يريد سراح المعتقل"، و"يخرج دابا يخرج دابا.. الزفزافي يخرج دابا"، يخرج دابا يخرج دابا.. المعتقل يخرج دابا"، إضافة إلى مطالب أخرى تهم "رفع العسكرة عن الريف"، على غرار "زنكة زنكة دار دار.. الحسيمة تحت الحصار". وفي الوقت الذي قدرت فيه مصادر أمنية عدد المحتجين بحوالي 15 ألفا، أعلنت اللجنة المنظمة للمسيرة أن العدد تجاوز 100 ألف مشارك من مختلف مدن وأقاليم المملكة. وانطلقت المسيرة في حدود الساعة 12 زوالا من ساحة باب الأحد بوسط العاصمة، قبل أن يصل المحتجون إلى الساحة المقابلة لمحطة القطار الرباطالمدينة، مرورا بشارعي الحسن الثاني ومحمد الخامس، وشهدت تنظيما محكما من طرف المستجيبين لها، على رأسهم جماعة العدل والإحسان التي أنزلت الآلاف من قواعدها، إلى جانب أحزاب فدرالية اليسار والنهج الديمقراطي والحركة الأمازيغية وشباب 20 فبراير وعدد من الجمعيات الحقوقية والهيئات النقابية. وصدحت حناجر المحتجين بشعارات موحدة على غرار "عاش الشعب عاش عاش.. المغاربة ماشي أوباش"، و"يا مخزن حذار.. كلنا الزفزافي"، و"كلنا محسن فكري"، و"الزفزافي خلا وصية.. لا تنازل على القضية"، وشعارات اجتماعية من قبيل "الفوسفاط وجوج بحورة.. وعايشين عيشة مقهورة"، و"هذا مغرب الله كريم.. لا صحة لا تعليم". وفي تصريح خص به هسبريس، استغرب فتح الله أرسلان، الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان، "عدم استجابة الدولة منذ شهور لمطالب سلمية ومشروعة رفعها المحتجون"، مضيفا أنها "فضلت عكس ذلك مقاربة أمنية وترك مهمة إصلاح الوضع للوقت"، قبل أن يسجل أن "نهجها هذه المقاربة هو ما زاد من تفاقم الوضع وجعلنا الآن أمام معضلة حقيقية". وزاد أرسلان، الذي تستجيب الجماعة الإسلامية التي يمثلها لأول مرة لنداءات التظاهر بالشارع تضامنا مع "حراك الريف"، أن "الدولة تحاول تهريب النقاش الحقيقي عبر نهج أساليب الاعتقالات والاختطافات بدل الاستجابة لمطالب مشروعة"، موردا أن "مسيرة اليوم هي رسالة واضحة إلى الدولة من مشاركين من مختلف المدن ومن أقصى المغرب إلى أقصاه، مفادها أننا غير متفقين مع المقاربة التي تنهجها الدولة في تعاطيها مع حراك الريف". من جانبه، اعتبر منير كجي، أحد نشطاء الحركة الأمازيغية، أن "المحتجين يطالبون بهدف واحد في المرحلة الحالية لا ثاني له، هو إطلاق سراح كافة المعتقلين الذين فاق عددهم 110 نشطاء، بدون قيد أو شرط"، مبرزا أن "المقاربة التي تنهجها الدولة في التعاطي مع مطالب سكان الريف قد تؤدي إلى مطالب عكسية". ودعا كجي إلى إيجاد حل لهذا الملف، وعقد جولة جديدة من الحوار، بعد إطلاق سراح المعتقلين، مع من اعتبرهم الممثلين الحقيقيين للحراك، وزاد أن "هذا الحوار يجب أن يكون بعيدا عن المنتخبين الذين أثبتت الأحداث أنهم متجاوزون"، قبل أن يلفت الانتباه إلى أن "قضية الريف أخذت بعدا دوليا عبر تنظيم وقفات احتجاجية بعدد من دول العالم، كهولندا وبلجيكا وفرنسا وأمام مقر المفوضية الأوروبية ومقر الأممالمتحدة، فضلا عن الحملات الدولية التي شنتها منظمات حقوقية على رأسها هيومن رايتس ووتش وأمنيستي"، وهو ما اعتبره في غير صالح المغرب. وكان لافتا للانتباه حضور عشرات من المناوئين لهذه المسيرة، الذين وصفهم المحتجون ب"العياشة"، حاملين الأعلام الوطنية وصور الملك محمد السادس، ورافعين شعارات تهتف بحياة الملك وأخرى تتهم الحراك ب"إشعال شرارة الفتنة"، إلى جانب أدائهم للنشيد الوطني. ودخل المناوئون للمسيرة في مشادات كلامية حادة مع عدد من المتظاهرين، كادت أن تؤدي في ظل ارتفاع حدة تبادل الاتهامات إلى تشابك بالأيدي لولا تدخل عدد من رجال الأمن الذين سعوا إلى التفريق بين الجانبين.