ظل تاريخ الصحافة بشمال المغرب أو على امتداد أطرافه دون تدوين، ما عدا محاولات قليلة ومحدودة ومتفرقة، تمت في بعض كتب التاريخ . في كتاب " تاريخ الصحافة بشمال المغرب" الصادر في تطوان يحاول مؤلفه الباحث والصحفي محمد الحبيب الخراز رصد 160 سنة من ظهور الصحافة بشمال المغرب لمحاولة لاستعادة تاريخ الصحافة شمال المغرب. أي منذ سنة 1820 إلى أواخر التسعينيات من القرن الماضي. يقع الكتاب في 555 صفحة من الحجم الكبير ٬ ويشمل عدة محاور من بينها الصحافة الاسبانية بمدينة سبتة والصحافة الدولية والوطنية بطنجة. والصحافة الاسبانية بمدينة مليلية والصحافة الإسبانية والعربية، بكل من القصر الكبير والعرائش وأصيلة وشفشاون وتطوان. وقد سبقت محاولة الحبيب الخراز عملية التوثيق المبكر محاولة الباحث الإسباني كتاب Vicente Ferrando de la Hoz المعنون ب«مذكرات لتاريخ الطباعة في شمال المغرب» «Apuntes para la historia de la imprenta en el norte de Marruecos»، من منشورات معهد الجنرال فرانكو للبحث الإسباني العربي سنة 1949، يحتوي على مقدمة كتبها طوماس غرثيا فيغراس، تحدث فيها عن الاهتمام الذي يوقظه موضوع الصحافة في المغرب.. خاصة في منطقة الحماية الإسبانية، اعتبارا لكون الصحف الأولى ظهرت بالمغرب هي الصحف الإسبانية.... ثم تتالت بعد ذلك مجهودات نظيرة كانت على صلة بسبتةوطنجة مع مجموعة من الأجانب.. ويحتاج الكتاب إلى ثلاث قراءات كما أوضح مقدم الكتاب الإعلامي خالد مشبال القراءة الأولى كانت عامة، للإحاطة بفصوله ومحتواه.والثانية متمهلة، لاستعاب المراحل الزمنية لصدور كم هائل من الصحف الأجنبية والوطنية في شمال المغرب، خلال قرنين. والقراءة الثالثة للبحث ما بين السطور، لفحص أسماء الصحف الصادرة وتوجهها السياسي والتجاري والثقافي، مع محاولة التدقيق في أسماء ناشريها، حسب أصول جنسياتهم. لكن يظل كتاب محمد الحبيب الخراز مرآة صافية عن الصحافة المغربية وغيرها ، التي ظهرت في شمال المغرب، انطلاقا من مدينتي سبتة في سنة 1920 ومليلية في نفس الفترة، ثم مدينة تطوان بعد الاحتلال الإسباني لها في سنة 1860 ، ذلك أن تواجدها في مدينة سبتة أولا، وفي مدينة مليلية ثانيا، أعطاها فرصة لرصد تاريخ المغرب والاحتكاك بنخبه والاطلاع على مصادر مؤلفات المغاربة . ويضيف الخراز أن مدينة سبتة منذ 1860 إلى غاية 1912 ، مرورا بالحماية الإسانية ، شهدت صحافة حرة وديموقراطية؛ لأنها لم تخضع في الكثير من الأوقات للقيود التي كانت تفرضها الحكومة الإسبانية على الصحافة الإسبانية. لهذا حظيت الصحافة الإسبانية في سبتة بمساحة واسعة من الاهتمام في هذا الكتاب. فهي تقدم رصدا تاريخيا عن بداية ظهور الصحافة بالمغرب، تمثل في تتبع الجرائد الإسبانية التي كانت تهتم في الكثير من الأحيان بالأنشطة السياسية المغربية وكان لها عدة مراسلين، إما في شكل قساوسة ورهبان أو إسبانيين مهتمين بالبيئة وكان لهم مراسلون في فاس يغطون الأخبار لصحفهم التي كانت تصدر في مليلية. ويتساءل الحبيب الخراز، عن مضمون ما كان يكتب في الصفحات الخاصة باللغة العربية في الجرائد الإسبانية ، وخاصة جريدة "تلغراف الريف" ، التي استقطبت كتابا ، ومنهم زعيم المقاومة ضد المستعمر الإسباني محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي يكتب الصحيفة باللغة العربية في إطار رصد المشهد الذي كانت تعيشه المنطقة وشمال المغرب عموما . ويضيف الكاتب أن مقاربة الصحافة الإسبانية الصادرة بين مدنيتي سبتة ومليلية في تلك الفترة ، واكبها سكوت مطبق للحكومات المغربية المتعاقبة للبحث في مجاهل هذه الصحف . لكنه يؤكد أنه على الرغم من ذلك، ظل الغموض ساريا في الصحافة المغربية التي ظهرت في المغرب مبكرا سواء كانت بلسان عربي أو آخر . فلم تتجند مراصد صحفية للبحث في هذه الصحف. رغم أنها تعتبر كنزا ثمينا بالنسبة للمغرب لأنها ضمت أبحاثا ودراسات ومقالات عن المغرب بشكل يثير الدهشة ويثير الإعجاب. وعند حديثه عن تاريخ الصحافة بطنجة، تتبع الكتاب حضورها القوي الذي جعلها تنافس وتضاهي أكبر الصحف العالمية لأن وجود القناصل بمدينة طنجة ، فتح المجال لها لاحتكاك هذه الصحافة بالتيار الدولي السائد ومناقشة القضايا التي كانت تثير الرأي العام الدولي . فالصحافيون وجدوا في مدينة طنجة من الحرية مثل ما وجدوا في مدينة سبتة. وعموما كان المنطق الامبريالي هو الذي حكم صدور الجرائد المدعومة من طرف المستعمر سواء في مدينة طنجة، التي كانت منطقة دولية، أو في مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين. لكن جميع تلك المحاولات كانت تعبيرا عن رغبة المصالح الاستعمارية، الفرنسية والإسبانية خاصة. وفي هذا الإطار ينقل الدكتور جامع بايدة في كتابة الصحافة المغربية باللغة الفرنسية ، أن المغرب شهد صدور سبع عشرة جريدة ناطقة بالفرنسية بين 1870 و1912 تاريخ بدء الحماية. ظهرت ثلاث عشرة جريدة في طنجة وأربع في الدارالبيضاء. ويعلل بايدة أن سبب الانطلاقة من طنجة مرتبط بأسباب يعود للموقع الجغرافي والساكنة المتنوعة للمدينة، وكونها عاصمة المغرب الدبلوماسية منذ 1780، إضافة إلى ربط المدينة بالتلغراف مع وهران منذ 1901. ويضيف قد أن معظم تلك الجرائد المقربة من المفوضية الفرنسية في طنجة، لعبت دورا هاما في تمهيد الأرضية للاستعمار أو ما سمي بالتوغل الهادئ في المغرب. وبالانتقال إلى الصحافة المحلية بتطوان، يؤكد الباحث محمد الحبيب الخراز ، أن هذه الفترة الممتدة لم تشمل أية صحيفة وطنية. إلا بعد صدور مجلة السلام في سنة 1934 التي مهدت لانطلاق الصحافة المغربية، تلاها بروز المجلات الثقافية بمدينة تطوان، أعقبها الانقلاب الفرنكاوي ابتداء من سنة 1936 ، الذي أعطى حرية الصحافة التجمع وتأسيس الأحزاب. ويرصد الحبيب الخراز ظهور صحافة حرة ومنتقدة ومتعارضة فيما بينها بمدينة تطوان، بسبب تضارب التيارات السياسية المتواجدة بها. قبل أن تصدر "جريدة المغرب الحر" عن الحزب الحر، و"جريدة الدستور" عن حزب الشورى والاستقلال. ومن المواضيع الأخرى التي تضمنها الكتاب، ما شهده شمال المغرب من بروز الصحافة الخطية، التي تأثر بها مجموعة من طلبة المعهد الرسمي القاضي عياض والمعاهد الدينية . مما يؤكد التراكم الكبير في التطور الذي شهدته الصحافة بشمال المغرب. وقد صاحب هذا التطور معوقات عديدة، تحدث عنها الحبيب الخراز في كتابه بكثير من التفصيل . أثناء الغوص في الكتاب يتعرف القارئ أكثر على تعدد أدوات بحث المؤلف في استنطاق مصادر ومراجع عمله الشاق، منذ مرحلة التأسيس الصحافة مرورا بعد محطات كما جاء مقدمة الكتاب للإعلامي خالد مشبال. فالكتاب يحاول استعادة تاريخ الصحافة المغربية في شمال المغرب. في مساحة تمتد إلى 160 سنة من التراكم . مما يدعو للقول أن البحث في تاريخ الصحافة المغربية يساهم في إعادة كتابة تاريخ المغرب، لترميم الفجوات ، نظرا لأهمية ما كتب من أخبار وآراء وشهادات ومواقف في تلك الفترة الحرجة من تاريخ المغرب . فهي تعد وثائق مهمة قد تساعد على قراءة جديدة تاريخ المغرب الحديث.