يعتبر الكثير من الباحثين أن هناك غموضا يلف تاريخ منطقة الريف؛ حيث تم التأكيد مرارا على الحاجة الماسة إلى البحث والدراسة لاستجلاء ذلك الغموض وتوضيح جوانب عديدة من هذا التاريخ. ومن خلال مؤلف "إمارة نكور في ساحل الريف"، يحاول مؤلفه، عبد الله بوصوف، التطرق لتاريخ "إمارة النكور" التي قامت منذ نهاية القرن الأول الهجري وطال أمدها حتى القرن الخامس. واعتبر بوصوف، الذي أنهى المؤلف سنة 1986 دون أن يقوم بنشره للعموم، أن منطقة الريف التي قامت بها هاته الإمارة عبر مراحل كانت تسترعي انتباه القوى السياسية التي ظهرت بالحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط نظرا لما تتوفر عليه من إمكانات طبيعية وبشرية، وما يمثله موقعها من أهمية استراتيجية، مشددا على أن قيام دولة النكور بساحل بلاد الريف شكل حدثا نتجت عنه تحولات اجتماعية وسياسية. هسبريس وباتفاق مع الكاتب، عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، تقوم بنشر الكتاب منجما على حلقات بشكل يومي طيلة شهر رمضان. العلاقات مع أمويي الأندلس إذا كانت دولة نكور قد استطاعت أن تنفصل عن الخلافة بالمشرق، فإنها لم تجد بدا من الدخول في علاقات جيدة مع أمويي الأندلس. وقد جاء ذلك نتيجة لعدة اعتبارات من بينها: التقارب الجغرافي والمذهبي (المتمثل في المذهب المالكي)، إضافة إلى المناخ السياسي العام في المنطقة؛ بحيث كانت دولة نكور مهددة من طرف القوى المحيطة بها، سواء الخوارج أو الشيعة في ما بعد. وقد ابتدأت العلاقة بين نكور والأندلس على شكل تحالف سياسي وعسكري، لتنتهي في ما بعد إلى التدخل المباشر في شؤون الدولة. وأول إشارة في هذا الشأن هي التي أوردها البكري وتتعلق بعبور عبد الرحمان بن سعيد للجهاد في الأندلس أيام ثورة عمر بن حفصون، ويظهر أن هذا قد حدث في أيام صالح بن سعيد عندما كانت الدولة لا تعرف أي اعتداء خارجي أو تهديد ما. ومع تعرض نكور لأول اعتداء خارجي يهدف إلى القضاء عليها وضمها إلى نفوذه-يتمثل هذا الاعتداء في هجوم مصالة بن حبوس، عامل العبيديين على تاهرت-أصبحت الأندلس تمثل الملجأ الآمن للأمراء المنهزمين، كما أنها كانت مركزا للدعم أيضا. هذا ما حدث فعلا بعد مقتل سعيد بن صالح في المعركة ضد مصالة بن حبوس؛ بحيث التجأت ذريته إلى الأندلس، ولقيت ترحيبا كبيرا من طرف عبد الرحمان الناصر، الذي قدم لها كل ما تحتاجه، واختارت المقام بمالقة. وبعد رحيل مصالة عن نكور، استطاع صالح بن سعيد، أصغر الإخوة، أن يسترجع المدينة بعد مقتل دلول حاكم الشيعة بنكور، وقد كتب بهذا النصر إلى الناصر لدين الله الذي أمده بعدد كبير من الأسلحة والآلات والأخبية. أما في ما يخص الطريقة التي استطاع الأمير أن يصل بواسطتها إلى الحكم، فإن المعلومات الواردة في المصادر تذكر رواية أقرب إلى الأسطورة، مفادها أن اتفاقا حصل بين الإخوة الثلاثة: إدريس، المعتصم وصالح على السير إلى بلدهم من الأندلس، فمن كان السباق إلى الوصول فهو أحق بتولية الحكم من الآخرين، وقد وصل أصغرهم سنا وهو صالح، ولم يصل الآخران إلا بعد شهرين. فهل يمكن أن يكون هذا الحادث قد تم بواسطة خطة مدبرة؟ يحتمل وقوع ذلك، لكون صغر سن الأمير ستسمح بتوجيه السياسة الداخلية والخارجية من طرف حكام قرطبة، من أجل مد النفوذ إلى داخل العدوة الجنوبية، وكذلك الاحتراس من قوات الفاطميين. ومهما يكن، فإن انتصار صالح بن سعيد على عبيد الله المهدي، كان بمثابة انتصار شخصي لعبد الرحمان الناصر على الشيعة العبيديين، عن طريق إمداده لأمير نكور بالمساعدات اللازمة بعد أن كان قد آواه أيام الهزيمة. إلا ان التطورات التي حدثت في النصف الأول من القرن الرابع الهجري جعلت الدولة الأموية تغير من سياستها تجاه نكور. وقد تمثلت هذه التطورات في النفوذ الذي أصبح يتمتع به موسى بن أبي العافية، حليف الفاطميين، خصوصا وأنه قد استطاع الدخول إلى نكور سنة 317ه. وهي السنة نفسها التي أعلن فيها عبد الرحمان الناصر نفسه خليفة للمسلمين. وكان أول عمل قام به عبد الرحمان هو احتلال سبتة سنة 319ه؛ وذلك ما نبه موسى بن أبي العافية إلى إعادة النظر في موقفه المعادي للأمويين، فكتب إلى الناصر لدين الله راغبا في موالاته والدخول في طاعته، وقد كان يؤكد في رسائله أنه أدرى بأمور المغرب من غيره. وبهذا كسب عبد الرحمان الناصر حليفا جديدا في المغرب، إلا أن هذه العلاقة التي جمعت موسى بن أبي العافية والناصر تمت على حساب أمير نكور، ويمكن إدراج حادث عزل موسى ابن رومي من طرف عبد السميع بن جرثم كدليل على ذلك. بل وأكثر من هذا، فإن عبد السميع كان يقوم بعدة غارات على مناطق نفوذ موسى بن أبي العافية كما أن أمير نكور كان يتعاون مع الأدارسة بصفة عامة من أجل شن تلك الغازات، نظرا لعلاقة المصاهرة التي كانت تهدد بين بني صالح والسليمانيين.