يعيش المغرب على إيقاع ساخن، وذلك منذ انطلاق حراك منطقة الريف بعد طحن بائع السمك "محسن فكري". هذا الحادث التراجيدي، وما ترتب عنه من موجة احتجاجية ، تحركت الدولة المغربية لاحتوائها، لكنها فشلت لعدة اعتبارات لها صلة بطبيعة المنطقة وعلاقتها التاريخية بالسلطة السياسية. من خلال رصد وتتبع لمسار حراك منطقة الريف، منذ انطلاقته إلى الآن، يمكن إبراز جملة ملاحظات من أهمها: -الملاحظة الأولى: طبيعة تعاطي الدولة المغربية مع هذا الحراك، والذي اتسم بنوع من العنف المادي والرمزي. هذا التعاطي أظهر وبالملموس أن السلطة السياسية في المغرب مازالت تفكر بعقلية "ماضوية"، كما أنها لم تدرك بعد ،أو -لا تريد ان تدرك- أن المجتمع المغربي عرف تحولات عميقة، وقادر على إفراز حركات اجتماعية جديدة ، خاصة وأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تزداد تأزما وفق ما أظهرته العديد من التقارير الغير الرسمية. -الملاحظة الثانية: أبان الحراك في منطقة الريف عن سلميته وحضاريته، بالرغم من سعي السلطة جاهدة لإظهاره بمظهر التخوين والعمالة للخارج، ولعل كل الوقفات والخرجات الإحتجاجية أبانت عن ذلك ، فقد لوحظ تواجد لجان شعبية متكونة من الشباب ،وفرت الحماية للمنشآت والادارات العمومية، وحتى لسيارات الشرطة والدرك. الملاحظة الثالثة: غياب تام لدور الاحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني ،والتي تجاوزها الحراك ،وأظهرها بمظهر البنيات التقليدية الفاشلة ، والغير المواكبة لحركية المجتمع. الملاحظة الرابعة: رغم أن بعض الأدبيات المهتمة بالحركات الاجتماعية تقول ما مضمونه أنه حينما تظهر الزعامة تصبح الحركة الاجتماعية معرضة للاختراق ،ثم الضعف والإندثار في النهاية، إلا أن "ناصر الزفزافي"الذي اعتبر" رمزا" للحراك زاد من حركية وقوة الإحتحاج، وحتى بعد اعتقاله ظهر "قادة" جدد مكانه، مما يعني ان "التربة الريفية" خصبة ومهيئة لإفراز المزيد من رموز الحراك. الملاحظة الخامسة: أبان الحراك عن فشل الأطروحات الرسمية التي روجتها الدولة المغربية بعد حراك 20 فبراير، كما أظهر أيضا عن عدم وجود إرادة سياسية للانتقال الديمقراطي، بل أكثر من ذلك، أشر على "تغول" السلطة وعودة نمط الحكم السلطوي بشكل صريح ومباشر، ولعل الطريقة التي تتم بها التعامل مع الحراك، وكذا الكيفية التي أزيح بها عبد الاله بنكيران من الحكومة، وعدم احترام للإرادة الشعبية ،وأمور اخرى لا يتسع المجال لذكرها لخير دليل على ذلك. الملاحظة السادسة: فشل اللعب على وتر مقولة "تأزم السياق الإقليمي"لكبح الحراك، بحيث روج هذا الخطاب على نطاق واسع في القنوات الرسمية ومواقع التواصل الاجتماعي، والذي اتخد شكل ردود قام بها العديد من الأشخاص المحسوبين على السلطة " العياشة "على الحراك الاجتماعي ورموزه. عموما، فحراك الريف أثبت وبالملموس أن التاريخ مسار لا يتوقف، ولا يعود الى الخلف إطلاقا، كما أن المجتمع المغربي، وبالرغم من كل الأساليب الديماغوجية، يعيش ديناميكية، يجب على السلطة السياسية استحضارها في التعاطي معه، لتسير معه في اتجاه متوازي، تجنبا للإصطدام الذي قد يخلف رضوضا يمكن ان تمس كل من النظام السياسي والدولة والمجتمع على السواء. * باحث مغربي مقيم بالولايات المتحدة الأمريكية