مع حلول شهر رمضان الكريم يتحول الفضاء المحاذي للباب الجانبي للسوق المركزي بفاس إلى "سويقة" مفتوحة لبيع "شهيوات رمضان"، نشاط تمارسه عدد من النساء اخترن هذا الشهر الكريم لعرض ما تصنعه أناملهن من فطائر مختلفة. ومما يثير انتباه الزبناء والمارة بهذا المكان، المتواجد وسط مدينة فاس، تلك المرأة الطاعنة في السن التي تخفي وجهها بلثام مغربي أسود اللون، والتي اختارت أن تتخصص في بيع "رزة القاضي"، المعروفة عند البعض ب"الرزيزة"، وهي فطيرة يتم إعدادها بعجينة رقيقة ملفوفة على شكل لولبي. "تعلمت صنع رزة لقاضي عندما كان عمري سبع سنوات، تعرفت على طريقة تحضيرها في الغرب..أنا أصولي من منطقة الغرب"، هكذا أجابت زازيا رحال هسبريس حينما سألتها عن سبب اختيارها التخصص في بيع هذا النوع من الفطائر دون غيرها، مضيفة أنها زاولت بيع "رزة القاضي"، خلال رمضان، لفترة تزيد عن 20 سنة بباب السوق المركزي لفاس، فأصبح لها زبناؤها الذين تجدد معهم اللقاء طيلة هذا الشهر الكريم من كل عام. ورغم أن موعد العصر لم بحن بعد، إلا أن زازيا، التي تقيم بحي فاس الجديد، أحد أحياء مدينة فاس العتيقة، كانت قد باعت كل معروضها من "رزة القاضي"، نظر للإقبال الملفت حسبها على هذا الصنف من الفطائر من طرف الناس خلال شهر رمضان؛ وهي التي وصفت، في حديثها مع هسبريس، هذا الشهر ب"المبروك المسعود"، مبرزة أنها تصنع "رزة القاضي" عن طريق خلط الدقيق بالزبدة ليلا، قبل أن تخبز في الصباح، منتظرة أن يحل الظهر لتتوجه إلى وسط مدينة فاس لعرض ما صنعته يديها من هذه الفطيرة. "أطلب منهم أن يخصصوا لنا مكانا لنبيع فيه فطائرنا خلال رمضان"، تقول زازيا رحال، التي ذكرت أنها بفضل بيع رزة القاضي لسنوات تمكنت من توفير لقمة العيش لأبنائها، مضيفة أنها حاليا تخصص ما تجنيه من مداخيل لشراء الأدوية التي تحتاجها نظرا لمعاناتها من إعاقة على مستوى ظهرها وإحدى رجليها، مبرزة أنها، رفقة زميلاتها، "ناس كبار" وفي حاجة إلى التفاتة من طرف الدولة لأحوالهن، وذلك بتمكينهن من فضاء مجهز ليعرضن فيه فطائرهن. "في الأيام العادية أطلب الله"، هكذا أجابت زازيا هسبريس حينما سألتها عن نوعية نشاطها في باقي شهور السنة، في إشارة منها إلى أنها تمتهن التسول لتوفر لنفسها تكاليف ما تحتاجه من أدوية، مبرزة أن "المخزن" يمنعها، رفقة باقي النساء، من بيع الفطائر في غير رمضان، ومتمنية أن تمنحهن السلطات مكانا لائقا ليبعن فيه فطائرهن خلال هذا الشهر وطيلة السنة. وإلى جانب زازيا، تعرض عدد من النساء الأخريات ما تصنعه أناملهن من فطائر متنوعة، مثل "البطبوط" و"البغرير"، كما هو حال جارة زازيا، وهي امرأة في عقدها السادس، فضلت الحديث لهسبريس، خلال التصوير، دون أن تبرز ملامح وجهها الذي أسدلت عليه غطاء رأسها، وهي التي ذكرت أنها دأبت على بيع "البغرير" كل رمضان بالمكان ذاته منذ 10 سنوات، مبرزة أن الإقبال يكون جيدا على مختلف الفطائر من طرف الزبناء خلال هذه المناسبة. بائعة أخرى للفطائر، كان يجلس بالقرب منها زوجها المسمى الطويل الحنفي، الذي فضل الحديث للجريدة بالنيابة عن زوجته التي كانت منهمكة في بيع فطائرها للزبناء، وذكر أن أسرته "تسترزق الله" في رمضان ببيع "البطبوط" و"البغرير" و"البيتزا"، مبرزا أنه يمني النفس بأن تتوفر زوجته على محل تجاري لتعرض فيه ما تصنعه من فطائر، وحتى يتسنى لها ممارسة هذه الحرفة طيلة شهور السنة. نعيمة، وهي من باب الفتوح، تشكل الاستثناء وسط جموع النساء اللواتي تخصصن في بيع الفطائر المختلفة بمحاذاة السوق المركزي لفاس، إذ اختارت بيع البيض عوض الفطائر، وأرجعت ذلك، في حديثها مع هسبريس، إلى كونها لا تعرف صنع الفطائر، وتكتفي، بحكم أصولها القروية، ببيع ما تجمعه أسرتها، المقيمة بالبادية، من بيض بمدينة فاس، مؤكدة أنها ستحاول تعلم صنع "البغرير" و"البطبوط" و"رزة القاضي" لكي تغير بيع البيض بالفطائر خلال رمضان المقبل.