«أبطال بلا مجد»، هكذا عنونت جريدة «الأسبوع» ملفا صادما عن العائدين من جحيم الأسْر إلى ذل السؤال في بلاد تنكرت لتضحيات أبنائها.. إنهم أبطال حرب الصحراء الذين قضوا أكثر من ربع قرن في حُفر جلادي البوليساريو بلا حقوق كفلها القانون الدولي لأسرى الحرب، وها هم الآن يقضون ما تبقى من حياتهم في الاعتصام أمام البرلمان بشارع محمد الخامس طلبا لبعض حقوقهم على الوطن. شهاداتهم تجرح مشاعر الوطن، ونبرة الأسى في كلامهم إدانة لكل من يُمسك عن مد العون لهم. ماذا يريدون؟ إنهم يطمعون في الاعتراف لهم بالتضحيات التي قدموها من عمرهم ومن لحمهم ومن سعادة أبنائهم خلال سنوات طويلة من الأسر.. حملوا السلاح دفاعا عن القضية ورابطوا في رمال الصحراء الحارقة دفاعا عن حرمة الوطن، ولما سقطوا في الأسْر نسيهم المغرب الرسمي، وتبرأت منهم الدولة حتى لا تعترف بأن البوليساريو أسرت مغربيا من جنودنا، مع أن الأسر من تكاليف الحرب يدفع فاتورتها المنتصر كما المنهزم، ولا عيب في ذلك... وحتى عندما تدخلت القوى الكبرى، ومن بينها أمريكا، وأطلقت جبهة البوليساريو سراح أسرانا بعد أن حولتهم آلة التعذيب إلى أشباح بشرية.. ولما رجعوا إلى تراب الوطن لم يجدوا في استقبالهم أحدا من كبار الجنرالات، ولم ينظم أحد على شرفهم -وما أجله من شرف- حفلا أو مهرجانا، وكأنهم كانوا مهاجرين سريين في دولة أوربية وتم ترحيلهم قسرا إلى بلادهم. أكثر من هذا، رجع ضباطنا وجنودنا ليجدوا أنفسهم مازالوا في نفس الرتب التي كانوا فيها يوم أُسروا وكأننا نعاقبهم لأنهم أبطال حملوا السلاح للدفاع عن الوطن... لا مكافأة ولا تكريم ولا اعتراف بالجميل ولا رعاية صحية. لن يكلفوا ميزانية الجيش الكثير، كلهم 2164 جنديا، ماذا لو صرفت لهم قيادة الجيش مليون درهم لكل واحد لإعادة بناء حياته التي دمرها الأسر الطويل لدى العدو؟ لقد صرفت هيئة الإنصاف والمصالحة أكثر من هذا المبلغ لضحايا سنوات الرصاص، وبعضهم كان معارضا بالسلاح لنظام الحسن الثاني، ولأن الدولة لم تعامله معاملة دولة القانون فقد استحق التعويض، فلما لا نعوض جنديا أُسر ربع قرن في سجون البوليساريو التي لم يكن بها حتى «الكرتون» ينام فوقه الأسرى في الصيف الحار كما الشتاء القارس. أسرى الحرب في كل بلاد الدنيا يتوجون أبطالا في مجتمعاتهم ونحن نعرضهم للإهانة أمام برلمان فاقد للإحساس بآلام المجتمع، وكأننا نقول لهم: إن السنوات الطويلة التي قضيتموها في الأسر والتعذيب غير كافية، وعليكم أن تقدموا المزيد ثمنا للانتماء إلى هذا الوطن. الإحساس بالمهانة هو الذي دفع سامر عبد الله، ضابط الصف الذي قضى 24 سنة في الأسر وكان يعمل 16 ساعة في الأشغال الشاقة لدى البوليساريو كل يوم، إلى القول: «عشنا مع الأفاعي والعقارب في الحفر، أما الاعتصام فوق هذا العشب أمام البرلمان فهو يشعرنا بأننا في فيلا»... قبل أن يستدرك: «نشعر بالخجل حين يمر علينا الأجانب ويروننا في هذه الحالة... أنا أطالب بأحد أمرين: إما تعويضي عن سنوات الأسر الطويلة أو إعادتي إلى الصليب الأحمر كي أطلب ترحيلي إلى إسرائيل.. والله ما نبقى فهاد المغرب»... مرارة لا تحتاج إلى تعليق أو بلاغة أو أحرف للتعبير، الكلمة الآن لك مون جنرال عبد العزيز بناني.. أنت من سيقرر وجهة سامر ورفاقه في السلاح.