بالأمس القريب رأينا كيف تعالت أصوات النساء وكيف ناضلن للمطالبة بحقهن بالإدماج في التنمية و المساواة . اليوم نرى ثمار هذا النضال وهذا الحق، فالمرأة المغربية اليوم والحق يقال ، قطعت أشواطا شهدت بأنها حقا نصف المجتمع . لم تعد المرأة المغربية مجرد آلة جاهزة للولادة و لا تلك المرأة الساذجة التي تنطلي عليها قسوة الرجل و تشتغل تحت إمرته بإخلاص شاذ يصل إلى عتبة الاستعباد ... "" إن انخراط المرأة في التنمية و مساهمتها جنبا إلى جنب مع الرجل في تدبير و تسيير الشؤون وحضورها البارز في المشهد التنموي، جاء نتيجة اقتناع الرجل بأن المرأة لها وزنها في الميزان التنموي و اعترافا منه بأن وراء تفوقه و نجاحه امرأة . أمامنا اليوم أقوى صورة تعبر عن الكينونة القوية للمرأة المغربية في أول مرة في العالم العربي حيث سبعة نساء في حكومة عباس الفاسي .. اللهم لا حسد ! لدينا حقا امرأة مغربية بكل المواصفات التي تجعلنا نفتخر بها، سبعة رجال بمراكش وحكومة السبع نساء بقبة البرلمان .. طلبوا التسليم ! إنها حقا لمفخرة المغرب ( النافع ) حيث أضواء الحضارة و حيث المرأة العصرية في نعيم حق المساواة و حقوق المرأة ... و إنها حقا لحسرة على تلك المرأة بالمغرب ( الغير النافع )، حيث قسوة الحياة و مظاهر البدو بكل تجليات البساطة و السذاجة، تجعل من المغرب ( الغير النافع ) جزيرة معزولة عن المغرب النافع . لا يسري مفهوم حقوق المرأة و لا المساواة على المرأة بالمغرب الغير النافع والمنسي، لكن وحدها امرأة المغرب النافع هي من يسري عليها مفهوم المساواة و يليق بها، وإلا ما كل هذا التناقض المطلق . عندما يتم الحديث عن المرأة المغربية بكل أدوات الرقي و الحقوق و المساواة، فإن المقصود بهذه المرأة المغربية، تلك التي تعيش بالمدن و ليست تلك المرأة المغربية البائسة المنسية في البوادي النائية حيث العزلة تجعل منها لاجئة و مواطنة افتراضية . عندما شاهدت مؤخرا على القناة الأولى برنامج ( أمودو ) الذي حط رحاله بقرية أماسين، تساءلت فيما إذا كان المسؤولون عندنا يعرفون شيئا عن هذه القرية . قرية أماسين وكلي يقين بأن أغلبية مسؤولينا لا يعرفون موقعها على خريطة المملكة، ما هي إلا إحدى المدن المنسية في المغرب المنسي ونموذج مصغر لكل القرى الخاضعة لمنطق المغرب الغير النافع . طيلة البرنامج و أنا أحاول عقد مقارنة بين نسوة قرية أماسين، مع نظيراتها بمدن المغرب النافع لأكتشف أن لا مجال للمقارنة طبعا . المرأة هناك كما بدت على الشاشة هي الكل في الكل كما يقال، ليست نصف المجتمع فحسب بل هي المجتمع كله والدليل على ذلك برنامجها المكثف الذي يضاهي بكثير مهام الرجل ومسؤولياته هناك . ليست تلك المرأة التي وشكت أن تفقد أنوثتها من كثرة المسؤوليات الجسام، سوى ناطقة رسمية باسم كل النساء بالبوادي و القرى، في كل المرتفعات الجغرافية و الخارجة عن التغطية الحضارية . كثيرون يجهلون أو يتجاهلون حقيقة المرأة هناك و لا فكرة لديهم حول البرامج المكثف جدا لتلك المرأة التي تحرص و بشكل يومي على مزاولة مهام صعبة موكولة إلى جسد نحيف يستمد قوته من سعادة أسرتها . و الذين ترعرعوا في الوسط البدوي، يعرفون جيدا حجم القسوة و حجم معاناة تلك المرأة الصامدة و لا يحتاجون لتلك البرامج التي تصور معاناة المرأة بالمغرب المنسي، لأنهم ببساطة عايشوا تلك المشاهد و تلك الصور على أرض الواقع و ليس على شاشة التلفاز . لكن سيكون من الأفضل لو كلف المسؤولون عندنا أنفسهم مشاهدة مثل هذه البرامج المؤثرة، حتى يقتنعوا بأن هناك امرأة تجهل معنى المساواة و حتى حقوق المرأة . فربما حينها لن يتجرأ أحدهم عن الحديث بتلك الطريقة الباردة والجافة عن المساواة و عن حقوق المرأة . من منا لا يتذكر حين تقوم والدته قبيل الفجر وتغطي أطرافه حتى لا يتسلل البرد إليه وهو نائم، قبل أن تخرج إلى الحقول و لا تعود منها إلا وقت الظهيرة لتعد بنفسها الغذاء بظهرها المقسوم . من منا لا يتذكر تلك الخرجات إلى الجبال لحطب الخشب تحسبا لموجات البرد القاسية . من منا لا يتذكر عندما تسقط إحدى نساء القرية بإحدى الحقول تحت تأثير ضربة الشمس وهي حامل . من منا لا يتذكر تلك السلة المملوءة بالطعام التي نحملها و نحن بعد صغار إلى نساء القرية و هن في أوج جني ثمار اللوز أو الأركان أو الزيتون ... ؟؟؟ هي مشاهد ما أكثرها و ما أقساها كنا نظنها اختيارية، بل أكثر من ذلك كنا نخال تلك المشاهد مكتوبة في اللوح المحفوظ للدولة وأن قدر هذه المرأة في بلاد الشعارات هو أن تبقى محرومة من أبسط حقوقها كامرأة أولا قبل الحديث عن مساواتها مع الرجل . نتساءل اليوم، أين هذه المرأة من دعوات حقوق المرأة و ما حظها من ثقافة المساواة وتأهيلها لتصير امرأة فاعلة في التنمية على المستوى الوطني ؟ عندما نتحدث عن المرأة كامرأة شملتها العناية الحضارية و تتمتع بحقوقها كاملة، فنحن لا نكن لها بالضرورة الغبن أو الكراهية أو حتى الحقد عندما نقارنها مع تلك المرأة المنسية بالمغرب المنسي . بالعكس نحن نفتخر بها كثيرا وهي تمثل المغرب في كل المحافل الدولية، لكن أليس من الظلم أن تتألق هذه المرأة و تتمتع بكل حقوقها بينما هناك نسوة على الهامش يفتقرن إلى أبسط شروط العيش كامرأة لها واجبات بلا حقوق ؟ عندما نعود إلى الدقائق الأخيرة من عمر برنامج ( أمودو )، تطرقت إحدى السيدات بتلك القرية النائية إلى إحدى المشاكل الأكثر خطورة و التي تهدد باستمرار حياة المرأة الحامل . إلى جانب ذلك طرح معلق البرنامج في آخر الحلقة سؤالا جوهريا و قويا حول ما إذا كان هناك من يقدر هذه المرأة و ما تقوم به ؟ سؤال نتمنى أن يحرك مشاعر حكومة عباس الفاسي وألا يكون مصير هذا السؤال الدخول من أذن مسؤولينا ويخرج من الأذن الأخرى . هذا طبعا إن كان هؤلاء كلفوا أنفسهم عناء مشاهدة برنامج حول المغرب المنسي . وبما أن لدينا حكومة تضم سبعة نساء، فلا مانع لدي من تمرير رسالة إلى بعضهن إيمانا مني بأن النساء يرأفن ببعضهن البعض و الله أعلم . هي رسالة وإن كانت افتراضية و وهمية إلا أنها رسالة وقَّعت عليها الكثيرات من نساء المغرب المنسي و الغير النافع . ظهرت في برنامج ( أمودو ) فتاة في مقتبل العمر تقوم بمعية نساء القرية بغزل الصوف و نسج إحدى الزرابي . وهنا أسئل السيدة نزهة الصقلي باعتبارها وزيرة التنمية الاجتماعية و الأسرة والتضامن، أليس من حق هذه الفتاة أن تتمتع بطفولتها مثلها مثل باقي الفتيات في مثل سنها ؟ أليس من حق هذه الطفلة أن يسري عليها قانون عدم تشغيل الأطفال ؟ أليس بالجدير و الملائم لهذه الطفلة أن تأخذ مكانها و حقها في مقعد دراسي داخل حجرة دراسية عوض أن تتحمل مسؤوليات أكبر منها تجعلها امرأة قبل الأوان ؟ أليست المدرسة و التحصيل من إحدى الحقوق العادية جدا و الطبيعية لهذه الطفلة ؟ وهما سؤالان موجهان إلى السيدة لطيفة العابدة . نسأل وزيرة الصحة السيدة ياسمينة بادو، هل هناك من تدابير متخذة لإنشاء مراكز صحية قريبة من قرى العالم القروي حتى لا نسجل معدلات مخجلة في نسب الوفيات لدى الأمهات ؟ هل تم التوصل إلى حل للحد من نسبة وفيات الأطفال الذين يسقطون صرعى تحت عويل أمهاتهم بسبب تلك الأمراض الغريبة و بسبب موجات البرد كما حدث في أنفكو ؟ أهناك على الأقل مستشفيات تستقبل مواطنا من المغرب المنسي الذي يقطع الكيلومترات ليصل إلى مستشفى يطرد منه لأنه معوز ويترك خارجا إلى أن يلفظ أنفاسه ويموت موتة الكلاب الضالة ؟ متى سيتم الأخذ بعين الاعتبار صحة المواطن المريض المعوز دون تقديم الجانب المادي على الإنساني ؟ هل تعرف مثلا وزيرة الثقافة السيدة ثريا جبران بأن تلك الزربية المغربية الأصيلة من بين الزرابي الأكثر جودة في العالم ؟ هل تعلم حقا من وراء تلك الزرابي المنسوجة طبيعيا من الألف إلى الياء و المصبوغة كذلك بمواد طبيعية كالزعفران و قشور الرمان دون إغفال مادة الصوف العالية الجودة ؟ ألا تستحق غازلة الصوف تلك و ناسجة الزرابي التفاتة تقدير و احترام لما تقدمه هذه المرأة الصبورة و العظيمة للثقافة المغربية في معارض الزرابي ؟ ألا تستحق تلك المرأة التي عرَّفت بمادة مغربية صرفة جعلت من ثمرة أركان قطب اهتمام دولي، كل الشكر و الامتنان و الاعتراف بمساهمتها في تقديم منتوج يجعل زيت أركان مفخرة المملكة المغربية ؟؟؟ على غرار هذه الأسئلة العادية جدا، لم نطرح أسئلة أخرى قد تبدو فوق العادة أو من الكماليات بالرغم من كونها ليست كذلك ما دمنا نسمع عن حقوق المرأة . فقط تسوية وضعية المرأة بالمغرب المنسي، هو ما نطمح إليه حتى الساعة، وإن حصل وتحقق ذلك عندها فقط يطيب الحديث عن حقوق المرأة و عن المساواة . عندما نسمع عن رهان إنشاء كل تلك الكيلومترات من الطرق السيارة بالمغرب، فإننا نتساءل بالمقابل عن رهان فك العزلة عن العالم القروي . عزلة تجعل من المسالك الوعرة و قسوة الجغرافيا، أسباب تقسيم المغرب من نافع إلى غير نافع وتجعله في معزل عن حق الحضارة . لكي يتم فك العزلة عن العالم القروي وأهله، فذلك لن يتحقق بلغة الأرقام . ولن تسوى وضعية المرأة المنسية هناك ولن نمتعها بحقوقها كامرأة بتحرير التقارير و الرثاء لحال تلك المرأة الصبورة و الصامدة . نريد من هذه الحكومة أن تعمل على أرض الواقع وتأخذ على عاتق مسؤوليتها الاهتمام بتلك المرأة هناك . أما لغة الأرقام و التقارير فتبقى حجة رمزية و افتراضية لا تخدم مصلحة ما أنجزت لأجله . و ارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء. belkacem.maktoobblog.com