تغيّرٌ وتطوّرٌ مهمّان يعرفهما المجتمع الريفي وحراك الريف معا، خصوصا بعد اعتقال ناصر الزفزافي القائد الذي أصبح زعيما ورمزا في نظر الريفيين، حيث لم يؤثر اعتقاله على الحراك؛ بل زاده إشعاعا، سواء على المستوى المحلي أو على المستوى الوطني، إذ اتسعت رقعة المتضامنين مع الحراك ومعتقليه، وخرجت المرأة الريفية بشكل لافت إلى جانب الرجل في جميع الأشكال والتظاهرات التي عرفتها الحسيمة والنواحي والتي لم يعد دورها منحصرا في المشاركة فقط، بل أطلت علينا المرأة الريفية كقائدة لهذا الحراك، حيث لبى أهل الحسيمة دعوة نوال بنعيسى للتظاهر بشكل كبير ليلة الثلاثاء وأخذت مكان الزفزافي فوق المنصة؛ وهو ما يعبر عن وجود تغير كبير على الفكر الريفي الذي عهدناه ذاك الفكر المحافظ، عكس اليوم الذي أصبح يعطي للمرأة دورا محوريا في مجتمعه. ولوحظ بشكل ملموس خروج مظاهرات نسائية في عز المواجهات؛ وهو معطى جديد يعرفه الحراك الريفي، إذ تحدت المرأة الريفية كل الأعراف والتقاليد التي ظلت إلى زمن قريب تقيدها وتجعلها ربة بيت فقط. إن تطور الأحداث في الريف ومدة الحراك، الذي تجاوز السبعة أشهر، أسهما في تجييش النفوس وكسر كل الطابوهات التي كانت تجعل من دور المرأة الريفية دورا ثانويا. ومن ثمَّ، استطاعت المرأة الريفية أن تحرق كل المراحل في ظرف وجيز وتغير نظرة المجتمع لتنتقل من دور المستهلك لكل ما يقدم لها من قبل أخيها الرجل إلى دور المساهمة والصانعة للحدث، إن لم نقل أصبح لها دور محوري في هذا الحراك. وهذا ما أعطاه نوعا من الزخم والكثافة البشرية وتحريك لمفهوم الرجولة عند الرجل الريفي عبر زغاريدهن وتشجيعاتهن. وبالرجوع إلى الذاكرة التاريخية لحرب الريف لما كانت النساء يحملن أقداحا من الحناء يلطخن به وجه وظهر أي رجل يعود فارا من المعارك، وهو ما يعتبر عارا في الثقافة الريفية يلاحق الرجل فيما تبقى من حياته وهذا ما أدى إلى هجرة العديد من الهاربين من معارك التحرير وهذا ما يمكن إسقاطه على واقع الحسيمة الآن، بالرغم أن الأمر ليس بالدرجة نفسها لفارق الزمان والثقافة. وبتدقيق الملاحظة من قبل المتتبع لمراحل تطور حراك الحسيمة، فلابد من تقسيم مراحله إلى مرحلتين أو ثلاث مراحل من حيث نوعية المشاركة فيه، حيث تميزت المرحلة الأولى بخروج الشباب فقط في مظاهرات احتجاجية ردا على مقتل محسن فكري؛ لكن تطور الأحداث وتحول الاحتجاجات إلى مطالب اجتماعية واقتصادية وثقافية وما عرفه ذلك من تعبئة مواكبة شملت جميع شرائح المجتمع الريفي الذي سمح في المرحلة الثانية للمرأة الريفية بالخروج إلى جانبه وفي صف واحد وبدون عقد، هذا أسهم في فرض المرأة الريفية لوجودها في المجتمع الريفي من خلال حضورها الدائم في كل التظاهرات والمعارك النضالية؛ لكن مع اعتقال أغلب قادة الحراك الحسيمي انتقلت المرأة الريفية إلى مرحلة أخرى ثالثة، وهي مرحلة القيادة والزعامة عبر إحدى الشابات اللواتي رافقن الحراك الريفي منذ بدايته، نوال بنعيسى التي استطاعت أن تجمع حولها كل أمهات وعائلات المعتقلين. لقد وحّدت نوال بنعيسى أمهات وعائلات المعتقلين حول هدف واحد هو إطلاق سراح أبنائهم والتعريف بقضيتهم؛ وذلك عبر الدعوة إلى المزيد من الاحتجاجات والإضرابات العامة، وهي اللغة التي أصبحت سائدة من خلال أي إطلالة على أغلب الصفحات الشخصية لأغلب قادة الحراك على المواقع الاجتماعية، وهي الدعوات التي غالبا ما تلقى استجابة واسعة، وهذا ما يطرح تساؤلا حول مدى قوة المرأة الريفية التأثير وتوجيه الحراك والجماهير لتحقيق المطالب التي أسس على إثرها؟ هذا ما قد تجيبنا عنه الأيام المقبلة. إن التطور الذي عرفه حراك الريف ودور المرأة فيه يحتاج إلى أكثر من دراسة ودارس، سواء من الناحية السوسيولوجية أو السياسية أو الثقافية؛ وذلك من أجل فك شفرات هذا التحول الكبير، الذي بدأ يظهر على المجتمع الريفي على جميع المستويات. *باحث في العلوم السياسية