مؤخرا طالب إعلاميون ومثقفون وفنانون بتهدئة الاحتقان السائد في الحسيمة ونواحيها في "نداء مفتوح" موجه بالدرجة الأولى إلى الملك محمد السادس، بصفته "رئيس الدولة"، بسبب استمرار الاحتجاجات واعتقال نشطاء الحراك الشعبي والإنزال الأمني المكثف في شوارع وأزقة المنطقة. هذه النداءات والملتمسات الغريبة التي يتم توجيهها من حين إلى آخر الى المؤسسة الملكية تشكل في نظري المتواضع تبخيسا واحتقارا لجميع المؤسسات الأخرى للدولة ، تبخيسا واحتقارا للمجهودات الكبيرة التي يبذلها المسؤولون الشرفاء في هذا البلد ، ثم ماذا يريد "ريافة" بعد أن زارهم الوفد الحكومي الرفيع المستوى وتمت الاستجابة لمطالبهم؟ صحيح أننا كلنا نثق ونعتز بجلالة الملك رئيس الدولة ولكن هل يجب عليه أن يلتحق بمقر عمالة الحسيمة ليقوم بنفسه بمهام السيد العامل أو بمهام الوزراء إرضاء لكبرياء "ريافة"؟ هل يجب عليه أن يوقف العمل بالقانون الجنائي الذي ينص على اعتقال ومعاقبة كل من يرتكب مخالفة موجبة لذلك؟هل يجب عليه أن يعلن حالة الطوارئ بصفة دائمة ويحل جميع المؤسسات ويباشر تسيير شؤون الدولة بنفسه انطلاقا من الديوان الملكي ؟ لماذا يصر البعض على القول أنهم فقدوا الثقة في المسؤولين والدكاكين السياسية والبرلمان والحكومة ؟ لماذا يصرون على الحكم بالإعدام على جميع المؤسسات والمسؤولين في بلادنا باستثناء المؤسسة الملكية؟ ألا يجدون طريقة أخرى غير تبخيس واحتقار المؤسسات الأخرى للدولة من أجل مدح المؤسسة الملكية والإطراء عليها ومغازلتها وهي في غنى عن ذلك ؟ ألا يعلم هؤلاء أن هذا التبخيس وهذا الإعدام لمؤسسات الدولة ربما سوف يشكل مصدرا للغضب والإزعاج للمؤسسة الملكية أكثر منه مصدرا للارتياح إزاء هذا المديح والإطراء ؟ على سبيل المثال لماذا اعترفت دول اوربية كبيرة بالكفاءة العالية لمؤسسة الأمن الوطني المغربي ونجاحها في المساعدة على إحباط عدد كبير من المخططات الإرهابية ؟ في حين أن المواطنين المغاربة بما فيهم بعض النخب السياسية والثقافية لا يعترفون بهذه الكفاءة ؟ أليس هذا ظلما للمسؤولين الشرفاء والنزهاء في هذا المؤسسة العتيدة ؟ لماذ مطرب حينا لا يطربنا رغم مجهوداته الجبارة ؟ هذا الخطاب العدمي يمكن أن نتفهمه عندما يصدر من بعض المتظاهرين الشباب العاطلين الغاضبين بسبب ظروفهم النفسية والاقتصادية الصعبة، من حاملي الشهادات الذين يشعرون بالحرمان ويرددون شعارات مثل "هي كلمة واحدة هذه الدولة فاسدة"، هؤلاء الشباب الذين كثيرا ما يتهربون من تحمل مسؤولية فشلهم ويريدون إلقاء هذه المسؤولية على الآخرين أو على الدولة التي يصفونها بأنها فاسدة ، أغلبية هؤلاء الشباب تكاسلوا أثناء دراستهم، و حصلوا على الشواهد بميزة مقبول ولم يستطيعوا الحصول على المعدلات العالية التي تمكنهم من الولوج الى كليات الطب ومدارس المهندسين، أو النجاح في عمليات انتقاء المتفوقين ومباريات التوظيف، أو حتى النجاح في مقاولة صغيرة أو نشاط مهني أو تجاري معين ، ليس عيبا أن يكون الإنسان متوسط المستوى ولا يستطيع الاصطفاف الى جانب المتفوقين ،ولكن العيب هو أن لا يراجع الانسان نفسه ويعترف بنصيبه من المسؤولية عن بطالته. من غير المنطقي وغير المقبول أن يصدر هذا الخطاب العدمي من نخبة المثقفين والإعلاميين، الذين يفترض فيهم التحلي بالموضوعية والعدل في تناول القضايا والانشغالات الوطنية، من غير المنطقي ألا يتم الاعتراف بالمجهودات التي تبذلها المؤسسات الأخرى للدولة، بكل مكوناتها من السلطتين التنفيذية والتشريعية وحتى الشعب من خلال هيئات المجتمع المدني، في كل المجالات مثل التعليم والصحة والقضاء والاقتصاد ،من غير المعقول ألا نقدر الأمور حق قدرها ،لماذا فقدنا الاعتزاز بمكتسباتنا ومؤسسات بلادنا؟ لماذا نصر على جعل الشعب في حالة عداء ومواجهة مع مؤسسات الدولة والمنتخبين و المخزن كما يحلو للبعض أن يقول ؟ أليست هذه الدولة من صميم هذا الشعب نفسه ؟ بجميع دواليبها ومؤسساتها ومسؤوليها وموظفيها وأعوانها ومنتخبيها ودكاكينها السياسية ؟ ثم إذا كان في هذه الدولة بعض المسؤولين والموظفين الفاسدين ؟ هل أتوا من المريخ أم أنهم أبناء هذا الشعب نفسه ؟ هل يجب أن نقول أن هذا الشعب فاسد ؟ أكتب هذه السطور بدافع حب هذا الوطن فقط ولست هنا أكيل المديح والإطراء ولا أتملق ولا أريد جزاء ولا شكورا من أحد، فقط يحز في نفسي أننا نحن المغاربة نتعمد جلد ذواتنا وننتقد أنفسنا ودولتنا كثيرا، ربما رغبة منا في المزيد من التقدم والتطور الذي نتمناه جميعا ، ولكن في المقابل يجب علينا ان نتحلى بما يكفي من العدل والإنصاف والرؤية السليمة ،حتى نتمكن من إدراك القيمة الحقيقية لدولتنا ومؤسساتنا ومكتسباتنا التي راكمناها منذ الاستقلال الى الآن ،لقد استطعنا بناء دولة ذات سيادة وذات مؤسسات مدنية وعسكرية وشبه عسكرية كبيرة و عتيدة، بفضل تضحيات أبناء هذا الشعب منذ المغفور له الملك محمد الخامس ومعه رجال الحركة الوطنية وشهداء المقاومة وجيش التحرير، مرورا بالمغفور له الملك الحسن الثاني ومعه النخبة السياسية و شهداء وجرحى ومعطوبي الوحدة الترابية الذين تدفقت دماؤهم على رمال الصحراء المغربية دفاعا عن هذه الأرض الطيبة ، وصولا الى الملك محمد السادس ومعه جميع المواطنين والمسؤولين المغاربة الشرفاء والنزهاء الذي لا يدخرون جهدهم في خدمة هذا الوطن. إذا أدركتنا القيمة الحقيقية لهذه المكتسبات وهذه الدولة التي تم بناؤها بتضحيات آبائنا وأجدادنا، سوف ندرك أنه من الواجب علينا جميعا أن نحافظ عليها ،ومن الواجب علينا أن نساهم جميعا كل من موقعه في المزيد من بنائها وتقدمها وازدهارها ، ومن الواجب علينا كذلك إذا كان ضروريا أن نقوم بالمظاهرات والاحتجاجات من أجل المطالبة بالإصلاحات ، أن نحتفظ بالهدوء ونتحلى بالمسؤولية ونضع دائما نصب أعيننا أن وطننا هذا غال علينا ولا يقدر بثمن ، ونتصدى بكل حزم وصرامة لكل من يهدد أمنه واستقراره. سؤال : هل صحيح أن هذه الدولة فاسدة ؟ جواب: لا