لماذا اللف والدوران؟ لماذا اللعب بالألفاظ و العبارات؟ لماذا الهروب إلى الأمام بالمبادرات والوعود المعسولة؟ لماذا يسعى المخزن بكل تلاوينه إلى الالتفاف على الحقيقة التي يتجرع أفراد الشعب مرارتها صباح مساء؟ الحقيقة هي أن سرطان الفساد استشرى في جسم كل مؤسسات الدولة حتى بلغ النخاع، وأمسى الفاسدون أنفسهم حيارى أمام هذه المعضلة / المأساة، تزيد حيرتهم يوما بعد يوم ؛ الكل يطالب بحقه ومستعد أن يحرق نفسه ليشهد العالم أنه مظلوم، منتهكة حقوقه و حرمته الإنسانية، حتى الأطباء، هذه الشريحة المتميزة باجتهادها من أبناء الشعب تعنف وتضرب على الهواء مباشرة- كما يقال- لسواد عيون من لا يعرف عن الطب إلا اسمه: الوزيرة سليلة الوزراء، والتي لا تتقن تركيب جملة عربية مفيدة، تضحك كلما سئلت وعوض أن تجيب تطعن سائلها بضحكة ثانية غير عابئة بمن يراها، وغير مكترثة بمن ينتظر دواء لعلته، والشعب المريض لأمه الهبل. فساد عنيف بوجه كالح لا يستحي يحسب المغاربة عبيدا. فجعتني عبارة "Bac + 13 sans Doctorat" رفعتها طبيبة في إحدى المسيرات الاحتجاجية. اتسع الخرق على الراتق، الظاهر أن الفاسدين غرتهم الأماني واقتنعوا بأن هذا الشعب صبور ومعطاء إلى ما لا نهاية، فتنافسوا وتكالبوا حتى أتخنوه جراحا وعللا، فعلا صوته أن كفى لم يبق في ضرعي إلا الدم. هل مثل هذا المقال عدمية وتيئيس؟ هل و استباق لإصلاحات لم تنفذ بعد؛ بل لم تقرر بعد؟ لعل الجواب يكون بسيطا، إننا وعدنا هذا من قبل ولم نر شيئا من ذلك، وكما يقول المثل الشعبي "اللي عضته حية يخاف من الحبل"، وبالتالي فالحاجة إلى ضمانات أمر لا ينكره عاقل، كما أن كل إصلاح هو إقرار ضمني بالخطأ أو الجرم في حق البلد، و ذلك يجب أن يستتبع ضرورة تصحيح الخطأ مع تحديد المسؤول عنه وإزاحته إن كان عن غير قصد أو معاقبته إن تبين القصد، ثم يوضع بعدها إطار الإصلاح من قبل من لم يسبق أن ساهم في كوارث الماضي، وبعد موافقة المتضرر الأول الذي يستهدفه الإصلاح: الشعب. إن لم يكن هذا هو مسار التغيير؛ فلا يجب أن يلام الشعب إذا وصف ما يجري بالمسرحية المستهجنة. إذا كان الإصلاح لبنا خالصا سائغا للشاربين فلا يصح أن يشربه الشعب في إناء قمامة. ألا إن المؤسسات الفاسدة والفاسدون عافهم الشعب، ومآلهم المحاسبة إن كانت هناك نية حقيقية للإصلاح، ومثواهم مزبلة التاريخ. إلا أن يكون شعار المفسدين: نحن أو نحن. لتستمر أشكال التطفيف والتعمية على العيون بأنواع من المصالحات والتصريحات الغريبة: - عذب المغاربة وقتلوا في تزمامرت ضدا على القانون، ولما ظهر حقيقة ما وقع عوض المتضررون من أموال دافعي الضرائب وبقي من خالف في موقعه ولا زال. - حدثت تجاوزات كبيرة فيما يسمى بملف "محاربة الإرهاب" واعترفت بذلك أكبر سلطة في البلاد و لم يتابع من ارتكبها. - سرقت أموال صندوق الضمان الاجتماعي ولا يدري أحد مصيرها، وقد تكون سجلت الجريمة ضد مجهول. - سرق CIH و لعل ملفه الثقيل دخل الحفظ . - وهذه تقارير المجلس الأعلى للحسابات لم تحل في يوم على قضاء... إن سياسة "طي الصفحة"، و"نسيان الماضي"، و"نبدأ من جديد" غير مقنعة، ولا تبعث على الاطمئنان؛ لأن الفاسدين هم من وكل إليهم طي الصفحة، وهم من يباشرون تسويد الصفحة الجديدة، وأولى مقدمات مخطوطهم بدت بوادره الدامية واضحة في 22 ماي، على امتداد شوارع البلاد. لطخاتهم كانت واضحة على الطرقات، وفي المستشفيات، وفي كل الجنبات: دم، ودم، ودماء. لأنهم يخشون الحقيقة استبقوا بفعالهم كل من سولت له نفسه البوح بها. لقد أتقنوا التعبير والتوقيع على المحتجين العزل، فكسروا العظام، وهشموا الرؤوس، وأجهضوا النساء... كل ذلك من أجل استدراج الناس إلى العنف، ليتسنى لهم بعدئذ عبر صحافة DST تخويف الشعب من المستقبل، وتذكيره باليمن وليبيا وسوريا، ولسذاجتهم لم ينتبهوا أنهم وضعوا أنفسهم مكان علي عبد الله صالح، وبشار الأسد، ومعمر القذافي حثالة البشرية (شرف الله قدركم). إننا مغاربة، ومهما حدث بيننا فلا نتوقع أن نحط من قدر الناس إلى درك من ذكرت أسماؤهم، ولا نحبذ –إكراما لبني البشر- أن يحط بعض الناس من قدرهم ليحشروا أنفسهم مع هؤلاء، مع التذكير الدائم و المتواصل أن "من لا يخشى الحقيقة لا يمنع التعبير عنها".