ان أهم شيء يفرض الفنان - كان ملحنا .. مغنيا .. أو ممثلا- على المتلقين هو ابداعه الرائع، وألحانه العذبة، وصوته الذي يتغلغل ويصل الى شغاف القلوب ويلامس الأرواح بعذوبته .. وأداؤه وتقمصه الحقيقي للشخصية الذي يجعل المتفرج يهيم بخياله في عوالم شتى، بما فيه من روعة واحساس مرهف. "" لكن من أين لبعض فنانينا - كان الله في عونهم - بذلك وهم الذين لا يفقهون شيئا لا بالنسبة لمهنتهم كفنانين ( يا حسرة ) أو كعناصر في وسط المجتمع المدني،ولا يتوفرون على الثقافة العامة، لأن معظمهم تسيطر عليه الأمية والجهل الذي يعد عارا طبقا للمثل التالي: " العلم نور و الجهل عار " ومادام أن واقع الفنان الحق يلزم عليه أن يكون مبدعا رائعا .. فهذا أيضا يلزم عليه أن يكون مثقفا، و ليس مثقفا وحسب، بل مطلعا على جميع الثقافات، و ملما بجميع الميادين حتى يتمكن من أن يستأسد خلال كل الحوارات والمقابلات والنقاشات التي يكون طرفا فيها مهما كبر وعظم شأن الحاضرين، وحتى لا تتحول أجوبته عن أسئلة رجال الصحافة على اختلاف مشاربهم من صحافة مكتوبة أو مرئية أو مسموعة الى ثرثرة فارغة، غالبا ما ينزلق فيها اللسان و يحيد عن الصواب وربما يحصل ما لا تحمد عقباه، وهذا كثيرا ما يقع في عدة محافل، بحيث يقع في الفخ كل فنان ( عاجبو راسو) يشارك في كل المجالات و يصر على الظهور في كل المناسبات ويلهث في كل الاتجاهات مدعيا النبغ، ولكن يحدث أن يجيب بأجوبة لا تمت بصلة للأسئلة التي تطرح عليه، وذلك لعدم فهم السؤال، وهنا يصبح صاحبنا يتفوه بكلام بعيد عن الموضوع، وطبعا هذا يعود الى جهله وفراغ جعبته من جهة، والى تكبره و( نفخ الريش ) من جهة أخرى. و لايفوتني من أن أوجه هنا رسالة قصيرة و مهمة و متواضعة في نفس الآن الى معشر الفنانين الذين يعجبهم أن تطلق عليهم عبارة " فنان" – وهذا حقهم بطبيعة الحال - اعلموا أن الفنان يحتاج الى فن لخلق فنه .. ويحتاج الى نضوج يدفعه الى التألق والنجومية، وليس الخواء والبرتكولات الواهية هي التي تميز الفنان أو التي تجعله يصل الى الناس. و ليعلم هؤلاء ( الفنانون ) أن مقياس تقدم الشعوب وتفوقها يرتكز على عطاءات فنانيها المتميزة، وعقلياتهم المتزنة. اذن فلا داعي لركوب صهوات الجياد "الكارتونية" و التباهي من أجل التباهي فقط، حتى لا يكون للمثل المعروف ( النخوة على الخوا ) مكانا بين فنانينا، وليكن لنا في سلوك وأساليب من سبقونا عبرة .. حين كانت قيمة الفنان قوية بأعماله الجيدة وسيرته الشخصية التي لا غبار عليها،- وليس باتصالاته وعلاقاته المتعددة - وكانت خطواته واثقة ومدروسة، لهذا تبت أنه عندما يكون الإنسان فنانا فهذه ميزة، وعندما يكون مثقفا فهذه أيضا ميزة أخرى، ولكن عندما يكون فنانا ومثقفا في آن واحد فانه يكون قد تعدى حدود المميزات الى قمة الابداع. و لست هنا ضد الفنانين أو أتعمد وصف بعضهم بالأمية الفنية أو أي شيء آخر من هذا القبيل، بل أود توعيتهم، اسهاما مني كرجل صحافة و اعلام حتى لا يذهبوا وراء القيام بأعمال قد لا تزيد من رصيدهم الفني أكثر مما تسيء لهم.